سعد بن عبدالقادر القويعي
شهدت تقارير دولية بحدوث جرائم حرب في حلب، تركت آثارها على الفرد، والمجتمع، بعد أن كشف الفصل الجديد من فصول المحرقة السورية عن وجه النظام المجرم، إذ لم يسبق أن بلغ درجة الاستهتار بحق الشعب السوري كما بلغه اليوم، ورعايته التطهير العرقي، والإثني، والطائفي لمناطق واسعة في سوريا، تحت شعار محاربة الإرهاب، والنتائج الوخيمة، والآثار الكارثية التي أفضت إليها تلك الجريمة النكراء.
يبدو ألا أفق سياسي يبشر بنهاية مأساة سوريا، - خصوصا - في ظل مواقف دولية ضعيفة، ورخوة تشي بالرضوخ، والتراجع أمام إرادة المحور - الروسي الإيراني -، وحماية جرائم نظام الأسد، وتعطيل الحلول السياسية. - واليوم - فإن حجم الصراع الكبير على سوريا ألقت بظلالها على جميع مكونات الشعب السوري؛ الأمر الذي حوّل سوريا إلى ساحة بحتة للمعارك أكثر مما هي دولة عصرية مدنية.
حصار، وقصف شرق مدينة حلب السورية، يشكل جرائم ذات أبعاد تاريخية، أوقعت الكثير من القتلى المدنيين، ووصلت إلى حد جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية. ولن أبالغ إن قلت: إنها وصلت إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وذلك وفق لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة، عندما أوضحت في سياق تعريفها للجرائم ضد الإنسانية في مسودة الجرائم المخلّة بسلم البشرية، وأمنها لعام 1954, وفيه: «إبعاد السكان، أو النقل القسري للسكان، أو الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد، أو بأيّ فعل قسري آخر، دون مبررات قانونية يسمح بها القانون الدولي»، - ومثلها - المادة السابعة، الفقرة 2 / د، والمادة الثامنة من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، تنصّان على أنّ هذه الجريمة تنطوي على تداخل بين جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.
الخروقات الصارخة للقانون الدولي التي تمثل جرائم ضد الإنسانية، ستجعل المهمة أكبر على عاتق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ من أجل السعي إلى تحديد مرتكبي جرائم الحرب في مدينة حلب السورية المدمرة إلا من الحجر، وهو ما أكده - وزير الخارجية السعودي عادل الجبير- خلال الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية على المستوى الوزاري، والتي عقدت في مقرّ الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بجدّة، بأن: «المجازر التي ترتكب في مدينة حلب، يمكن تصنيفها جريمة حرب ضد الإنسانية».
كي يكمل النظام السوري سيرورة هذه المعاناة المستمرة إلى مدى غير منظور، ويكشف عما تبقى من أقنعة عن وجهه القبيح، فإن الإبعاد القسري بالقوة المادية المباشرة، وبالإكراه المعنوي، والساعية إلى إحداث تغيير ديموغرافي في حلب، وذلك من خلال تفسير الغموض الذي بات يلف الكثير من الأحداث التي سيكون لها دور في تحديد الخارطة السورية على الأرض، حينما أخفقت أدوات العدالة الدولية، واستعملت المعايير المزدوجة من حين إلى آخر، بحيث يطبق القانون الدولي على البعض بشكل صارم جداً، ويستثني البعض الآخر في التطبيق.