د. عبدالرحمن الشلاش
أغلب من يتحدثون أو يكتبون عن التخصصات في جامعاتنا وأنها مكررة في كل جامعة فتدفع بمخرجات أكثر من الحاجة وبالذات في التخصصات النظرية هؤلاء يغفلون عن الإرث التاريخي لجامعاتنا وكيف تكونت إلى أن أصبحت جامعات مستقلة يصل عددها إلى حوالي ثلاثين جامعة تعاني من كثافة التخصصات لدرجة أن كثيرا من خريجيها ينضمون إلى صفوف العاطلين حال تخرجهم.
جامعة الإمام مثلا تكونت في بداياتها من كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض, وكذلك الحال بالنسبة لجامعة أم القرى بينما بقية الجامعات مثل القصيم والطائف وجامعة الملك خالد وغيرها كان أساس نشأتها فروع الجامعات في تلك المناطق والمحافظات, وهي فروع كلياتها أغلبها نظرية مع وجود بعض الكليات العلمية, وعندما صدر القرار بضم كليات المعلمين وكليات البنات وعددهم حوالي 120 كلية منتشرة في كل مناطق المملكة تحولت كل جامعة إلى خليط عجيب صعب الهضم.
من هذا الخليط غير المتجانس أصبح في كل جامعة تخصصات متنوعة في الدين واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس وعلم الاجتماع في حين أن سوق العمل قد اكتفى من سنوات من خريجي تلك التخصصات, وبرغم أن جامعاتنا تردد بأنها تقوم بهيكلة لتخصصاتها إلا أنها في الغالب ظلت محافظة على إرثها الذي لا يخدم عملية التنمية حاليا. قناعتي الشخصية تقول بأني ضد إقفال كل الأقسام في تخصص ما لأن هناك أعدادا رغم قلتها ترغب في دراسة تخصصات معينة بغض النظر إن كانت لا تؤدي إلى الوظيفة لكني مع تقليص أعداد الأقسام إلى أدنى حد ممكن, والاستفادة من الميزانيات المهدرة في افتتاح تخصصات نوعية تلبي الاحتياجات القائمة من سنوات.
الجامعات هي المصانع التي تدفع بمنتجاتها للسوق وهي بالتأكيد تدفع بمخرجات لا يحتاجها سوق العمل نهائيا والعيب هنا من الجامعات وعليها أن تبادر لإصلاح الخلل الناتج من تكدس آلاف الطلاب والطالبات في تخصصات لا تفيد, كما أن الجامعات أيضا تدفع بمخرجات يحتاجها سوق العمل لكنها لا تجد الفرصة المناسبة والعيب هنا من سوق العمل حيث يشغل الوظائف ويستحوذ على الفرص غير سعوديين ويكفي أن نعرف بأن عدد غير السعوديين المقيمين في المملكة قد تجاوز العشرة ملايين منهم عدد غير قليل يعملون في وظائف مناسبة للسعوديين المؤهلين من الجامعات وبرامج الابتعاث, وهنا دور وزارة الخدمة بالنسبة للقطاع الحكومي ووزارة العمل بالنسبة للقطاع الخاص لإحلال السعوديين مكان الوافدين ولو بشكل تدريجي. أما الجامعات فعليها الانعتاق من إرثها التاريخي وتنظيم تخصصاتها بشكل يخدم الاحتياجات الفعلية.