أحمد بن علي آل مطيع عسيري
خمسون عاماً من الركض المتواصل، والعطاء الضافي، والخدمة العامة من أجل الدين العظيم والملك المفدى والوطن الشامخ، تشرفت - بفضل الله - بأنك حفيد الملك المؤسس والرائد الفذ/ عبد العزيز بن عبد الرحمن -طيب الله ثراه، وعشت في حكم ولي عهد المؤسس والملك من بعده الملك/ سعود بن عبد العزيز -رحمه الله، وأنت نجل الملك العظيم/ فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله، وزارك في أبها زيارة تاريخية الملك/ خالد بن عبد العزيز -رحمه الله، وحظيت بثقة ومحبة الملك/ فهد بن عبد العزيز -رحمه الله، ونلت أغلى ثقة من أكبر رجل لأقدس بقعة من الملك/ عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله، وسموكم الكريم اليوم مستشار خاص لخادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله.
سموكم رجل دولة، ورسالة نجاح، وأيقونة عمل، وضعت رحالك الفكرية ومناجمك الذهبية في خدمة قطاعي الشباب والرياضة فنالهما الخير، وإذا فألهما التميز يعضدها التعليم التطويري والثقافة الواسعة والخبرات المنوعة، فكانت محطة إبداع وبداية انطلاق وإرث ضخم، وضعت المعايير وأسست القاعدة ودشنت اللبنات الأولى، حولت الأندية إلى رياضي وثقافي واجتماعي ووضعت شارة الكابتنية، وقبل ذلك كله وضعت مقرات للأندية واعتمدت خطط التطوير وآليات التنظيم وكانت بذرتك الجميلة أول المشوار وإضباره الأمل وبوابة العمل لقطاع رياضي واعد وشبابي صاعد.
ثم يممت وجهك الجميل لنحو منزل جديد في وطننا الحبيب، إنها أبها التي جعلتك تتسلق الصعاب خمسين مرة، تحبك أبها خمسين مرة، تعشقك عسير خمسين اسماً بل تزيد وتزيد، يحمله أبناء عسير (خالد) كأسماء لرجل عظيم وأمير كريم وقيادي بارز طرز حياته بالعمل ونسج فكره بالأمل، اتخذ الإبداع الريادي منهجاً، والعطاء الضافي قدوة، لم يحد قيد أنمله ولم يتوان ولو لحظة في حفز الهمم وإطلاق القدرات، وتبنى الأفكار ومسابقة الزمن وهو القائل:
عودونا ملوكنا سبق الزمن
كل سابق معتلين ظهورها
خمسين مرة يذكرك أهالي عسير في اليوم الواحد، يرون صورتك المشرقة في (الخالدية) ويعيشون أسلوبك في (البحار) ويرون خطاك في (السودة)، ومن زار (الحبلة) قل لي كيف ينساك؟ يذكرك خمسين مرة المطار والصحيفة والمفتاحة والمركز والجبل والمنتجع والشعارات الجميلة للعروس الفاتنة، أذكرها خمسين مرة (اليوم أبها وغداً أبهى)، (كل عام وصيفكم أبهى)، (لا أبهى من أبها ولا عسير في عسير)، جعلت عسير درة المدن وعروس المصايف وحبيبة الجميع كتبت فيها شعراً ونثراً قصة ومقالاً تحقيقاً وسؤالاً، تعليقاً وإيضاحاً، إنها حبيبتك خمسين مرة.
ياسحايب سراة أبها تعدى شمال
واستعيري دموعي سيلي كل وادي
تبكيك أبها في يومها وليلتها خمسين مرة، أنت البحر الأخضر لها والوردة البيضاء والسيف الذهبي، زاد عشاق أبها لأجلك وكثر محبوها لكونك مطورها، والعلاقة التي تجمعكما هي علاقة رائعة بكل المقاييس، وجميلة بلغة العشاق، وأخاذة بمستوى الكم والكيف.
تجربة تستحق التأمل وسبر الأغوار وعرضها على الملأ، بناء إنسان وتنمية مكان، تطوير حقيقي نموذجي يحاكي نماذج حضارية قلما تجد مثيلها في العالم، لأن النمذجه ناقصة إما أن تبني الإنسان أو أن تنمي المكان، فهي اهتمام جانبي بأحدهما فقط يميناً أو يساراً، صعوداً أو نزولاً، أما قصتك فهي قصة التوأمة الصادقة والشراكة الإستراتيجية، جمع الاثنين معاً وإصابة الحسنين سوياً، ما زال إنسان عسير يحمل معايير الجودة لسموكم الكريم الكثيرة، تذكر بعضاً منها واحتفظ بالباقي لكي يظل ممتناً لكم.
بعد الهمة الرفيعة والجهد المقدر والعمل الدؤوب وثق تجربة ثرية وسيرة ذاتية غنية وقصص ملاحم وطنية نشرها على الأشهاد واطلع القاصي والداني عليها والغريب والقريب، قلت القصة كاملة ودعمت الحديث الجميل بالإحصاء واتبعت أسلوب الاحتواء لا الإقصاء، إنها (مسافة التنمية وشاهد عيان)، اتضح فيها السعي الحثيث والفكر المستنير والسيرة الثرية والعطاء الضافي والخدمة المتوالية والهم الكبير، لقد كانت عسير في عينك وتحملها في فؤادك وتعيش بها في خيالك.
ثم صدر الأمر الملكي الكريم لتعينيه أميراً لمنطقة مكة المكرمة أشرف البقاع وأطهر الكون مسجداً وأثمن الأرض خامة، فكانت الوجهة الأجمل والحدث الأبرز والفعل المبارك، بدأ الشيخ /عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام من أعلى منبر في العالم أنه منبر الحرم المكي خطبة الجمعة يذكر أميراً غادر دنيانا الأمير /عبد المجيد بن عبد العزيز -رحمه الله - ويهنئ أميراً مكة المكرمة الجديد وصل للتو، وضع جل جهده وتراكم خبرته وكثير وقته في إطلاق مشروع العمر، وكلمة الحق ورسالة الصدق (مكة نحو العالم الأول)، وهو المشروع الإسلامي والوطني والريادي والحضاري والطلائعي الذي يليق بأم القرى ومن حولها.
ولا أظن أحداً من أبناء الوطن إلا وأسعده هذا الفكر الحاصف والنظرة الاستشرافية وثاقب البصيرة، وانطلق من هذا التوجه المبارك والتصور المثالي يلفه العمل الحقيقي والشارة المتواصلة، لا تأجيل ولا تسويف، لا تأخير ولا توقف، ولا استسلام ولا تريث، بلغة المنطق وبطرق النجاح وبفكر المتمرس يعمل ويتابع ويشارك وينفذ ويوزع ويخطط.
وقد أدرك الكثير من النجاح وحصد الإنجاز تلو الإنجاز في ولايته الأولى.
ثم صدر الأمر الملكي الكريم بتعينية وزيراً للتربية والتعليم ميدان الشرف الكبير والرسالة الخالدة والمنارة الجميلة.
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم ان يكون رسولا
أعلمت أعز وأشرف من الذي
يبنيى وينشئ أنفساً وعقولا
اهتم بالمرتكزات الرئيسة: معلم قدوة/ منهج متطور/ بيئة تعليمية جاذبة/ اجتمع برجالات التعليم النواب والوكلاء والمديرين العموم وموظفي ديوان الوزارة، ثم ركز على العاملين في الميادين التربوية والردهات التعليمية مديري التعليم ومديري المدارس والوكلاء والمرشدين والمعلمين، سمع من الكل وناقش الجميع، جمع الاقتراحات التربوية والآراء التعليمية المنشورة في الوسائل الإعلامية والوسائط الاجتماعية والمفازات الثقافية.
ولقد حاز نظير توجهه الإداري ورؤيته الثقافية وعمله التنموي وفكره التخطيطي وإبداعه المعرفي في جائزة مكة للتميز في فروعها الثمانية، ولا أعلم جائزة في العالم منحت لرجل واحد بفروعها كافة إلا هذه الجائزة العظيمة لذلكم الرجل العظيم. نظم العمل/ وضع التصورات/ هيكل الوزارة/ استحدث أنظمة للتطوير/ مرن العقول الإدارية على الشغف والإنجاز والتميز/ أضفى سلوكه الإداري الانضباطي ووضع رؤيته العملية حتى قيل هذا زمن التعليم.
وكان في لقاءاته المحببة مع إخوانه وزراء التربية والتعليم لدول مجلس التعاون الخليجي يركز على قضية واضحة وفكرة راقية وإشارة صائبة ألا وهي قضية التكامل التعليمي، فكل دول المجلس تكمل بعضها بعضاً في التربية والتعليم.
أدى أدواراً ريادية وبصمات خالدة وإنجازات شاهدة، ركز على الميدان وتفاعل مع القضايا التربوية، وكان عهده مع التربية والتعليم أنموذجاً، فهو الذي يحمل ثقافة الشكر والتقدير لكل رجال التعليم الذين سبقوه وهذه أخلاق الكبار.
ومنذ توليه مقاليد الأمور في منطقة مكة المكرمة كأمير ممثل ومستشار للملك في ولايته الثانية بدأ بجملة تفاؤلية حضارية ألا وهي (أنا محظوظ بفرصة ثانية لخدمة مكة المكرمة)، فانطلق يحدوه الأمل ويسبقه العمل، لغته لغة الفعل ومبدأه الجدية وشعاره التكافؤ لخدمة المجتمع المحلي، لا مكان لليأس ولا يتسلل لنفسه الإحباط، فثقافته ثقافة التفاؤل يحملها طوال خمسين عاماً في مشواره الإداري العريض.
لخص المهمة وركز الوقت وجمع المفرق من الجهود ولملم المتناثر من الإمكانات، فمجلس المنطقة ورشة عمل كبرى من التنمية والمجالس المحلية بالتعاون مع المجالس البلدية بالمحافظات تؤدي أدوارها يقظة لعمل المسؤول، متابعة للمشاريع المتعثر والمنفذ منها على السواء. خالد الفيصل شغوف بالعمل ومتسلح بالعلم وتعضده الخبرة، إداري تنموي واقتصادي ماهر يخطط لرؤية حضارية ويحسن اختيار الأكفاء فلا يختار إلا بعناية ولا يعين إلا بدراية، يرأس فريق عمل خليط الثقافة منوع التخصص هدفه مكة نحو العالم الأول لما تحمله من مكانة دينية وقداسة إسلامية، ففيها البيت الحرام والكعبة المشرفة والحجر الأسود ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل والحطيم وزمزم الصفا والمروة ومنى وعرفات ومزدلفة والمشعر الحرام، ولما لها من مكانة في نفوس الملايين من المسلمين، فحي المسفلة مثلاً يعدل فضلاً ومكانة ومزية الشانزلزية في باريس وما يفيير في لندن وبروكلين في نيويورك.
روح خالد الفيصل تواقة للمعالي وتستشرف الأفضل فلا مكان لديه للتسويف ولغة الاحتمال ولا يقبل أنصاف الحلول، وهو الذي طرح ذات يوم سؤاله الذكي: فلنفترض أن هناك مؤامرة فلماذا نستسلم لها؟ ويعشق الإبداع وينجز الأعمال وينفذ المهام، فهو يؤدي ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
- إشرافه على الحج عبادة وسلوك حضاري.
- متابعته المستمرة لمشاريع خدمة الحج والعمرة في مطار الملك عبد العزيز ومدينة الحجاج وميناء جدة الإسلامي وترؤسه للجنة الحج المركزية المنبثقة من لجنة الحج العليا.
- إشرافه على تطوير وسط جدة بشكل مؤسسي فاعل.
- اعتماده لكراسي بحث لنشر قيم الاعتدال والفكر السوي ونشر الوسطية والتسامح ولغة العقل والحوار والرفق بالوطن والاهتمام بالمكتسبات الحضارية والعناية بسمعة أغلى الأوطان وتمثل ذلك منهجاً وسلوكاً.
- الزيارات التفقدية للمحافظات والمراكز بشكل دوري لإزالة معوقات التنمية وللقاء المجالس المحلية والبلدية والأهالي والاستماع للشكاوى للفرص والتحديات وإبداء الرأي والحوار الحضاري في علاقة تثبت للعالم أجمع أن الأمير والمواطن في السعودية شركاء لخدمة الصالح العام.
- يوميات المجلس الاستقبال في شركة حضارية وإستراتيجية شمولية بين المسؤول والأكاديمي والمهندس والمثقف والإعلامي والمحامي والطبيب ورجل الأعمال والأديب، وهي أشبه ببرلمان حضاري وتناقش فيه المواضيع ويلفت النظر تدوين أمير المنطقة للملاحظات القيمة بنفسه.
- إعداد بذور الخطة العشرية في شتي الحقول وجل الخدمات وهي موزعة على المحافظات والمراكز والقرى والهجر.
- الإشراف العام على مشروع تصريف السيول بجدة وجعلها المدينة الأولى المكتملة بهذا المشروع الضخم، فقد حول المحنة إلى منحة واستفاد من الدرس وأضاف للمجتمع رؤية تطويرية هيكلية مرحلية تتفادى الإشكالات ذات يوم.
- ومما له صلة بالموضوع استحداثه لمركز خاص هو الأول من نوعه ألا وهو مركز الطوارئ والكوارث، وهو مركز مجهز وينسق مهام الجهات ذات العلاقة لخدمة المجتمع بشكل فاعل وتقديم صورة مشرفة على أن الجميع مسؤول ومتطوع هم في الخدمة متى ما أملت ذلك الظروف.
- تصحيح أوضاع الجالية البرماوية، وهو مثال صادق على استغلال المنصب في خدمة المصلحة العامة والعطاء من أجل إسعاد وإشراك هذه الجالية صاحبة أفضل جوار، جوار البيت في حياة كريمة وهانئة وتجعل من أمير مكة المكرمة علامة بارزة لخدمة المقيم والمواطن على حد سواء.
- الاهتمام بجدة التاريخية ووضع خطط إستراتيجية بالتعاون مع شركاء النجاح محافظة جدة والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ومجلس التنمية السياحية أثمرت عطاءً فياضاً بتسجيل جدة في لائحة التراث العالمي.
- إشرافه وتدشينه وإعادته لسوق عكاظ في ضوء أمل وعناية وتاريخية وإطلالة ثقافية وإدخال الجديد على القديم والتراث على الحاضر في علاقة صفق لها المثقف إجلالاً والمواطن ابتهالاً للمولى بأن يحفظ هذا الأمير الهمام.
- اهتمامه بالشباب اهتمام خاص، وذلك:
عقد ملتقى شباب مكة المكرمة، والمشاركون يمثلون جميع محافظات منطقة مكة المكرم، وهو تظاهرة وطنية وثقافية وإدارية واجتماعية ورياضية ومحضن فكري ضد الأفكار الهدامة التي تتعارض مع قيمنا الأصيلة وعاداتنا الحميدة، وتطلق العنان للمبادرات الشبابية لخدمة الدين العظيم والملك المفدى والوطن الشامخ.
تكريمه للشباب بتدشين حديقة باسم (حديقة شباب جدة) تقديراً لدورهم في كارثة سيول جدة وأدائهم لواجب المسؤولية الاجتماعية بطريقة حضارية جميلة.
إشراك الشباب في اللجنة العامة للمتابعة في إمارة مكة المكرمة والتي من مهامها تسجيل الملاحظات على المشاريع والخدمات والظواهر ورصد السلبيات والإيجابيات.
إتاحة الفرصة للشباب للمشاركة في مجلس أمير المنطقة وتقديم الاقتراحات. اهتمامه بمؤسسات المجتمع المدني بشكل حضاري ومشرق وتقديم صور البذل ولمحات من العطاء لجمعية القرآن مشروع تعظيم المسجد الحرام، جمعية البر، المستودع الخيري، جمعية الزواج، جمعية الأيتام، جمعية هدية الحاج والمعتمر، مراكز الأحياء، لجان التنمية الاجتماعية ومجلس الغرفة التجارية ومجلس شباب الأعمال وجائزة مكة للتميز.
وصفوة القول:
هذا هو الجانب الذي عرفته عن خالد الفيصل كرجل دولة مع إدراكي أن ما فاتني من أعماله الكبيرة كان أعظم، مع ملاحظه أنني لم أتحدث عن أثر الفن في شخصية الحاكم فتلك قصة أخرى لحدث آخر. كل هذا الجهد المبارك الذي عمله هذا الأمير المخلص بفضل الله ثم بتوجيهات القيادات الرشيدة لهذا البلد المعطاء.