علي الصراف
تحتاج إلى سلة كبيرة الحجم من الريالات الإيرانية لكي تحصل مقابلها على دولار واحد!
من لا يرى في ذلك أزمة حقيقية، تمس حياة عشرات الملايين من الإيرانيين، فلا بد أنه يضع عمامة سوداء على عينيه قبل رأسه.
أحد آخر الأرقام يقول إنك لكي تحصل على دولار واحد، فإنك تحتاج أن تحمل سلة فيها أكثر من 41 ألف ريال. والسبب يعود إلى أنه بينما كان البنك المركزي يضخ من العملات الصعبة أموالا لكي يحافظ على السعر الرسمي البالغ 32 ألف ريال، فانه لم يعد قادرا فيما يبدو على ضخ المزيد.
فعلى الرغم من رفع العقوبات الدولية عن إيران بموجب الاتفاق حول برنامجها النووي، وعلى الرغم من الوعود المتعلقة بتسديد بعض الأموال المحتجزة إليها، إلا أن ذلك لم يكفِ لكي يجعل الإيرانيين يشعرون بأي تحسن في أوضاعهم المعيشية.
وفي الواقع فإن الأمور تزداد سوءا.
في البدء، بدا غزو العراق مفيدا لعمائم التواطؤ مع «الشيطان الأكبر». فالمليشيات الطائفية التي تولت السلطة لم تبق سبيلا لتهريب الأموال إلى إيران إلا وسلكته. كما ظل التلاعب المتواصل بأسعار الصرف وسيلة لشفط الأموال من العراق إلى إيران، فضلا عن النفط والغاز، حتى تحولت القصة إلى فضيحة.
هذا الإغراء، شجع إيران على الاعتقاد بأنها إذا واصلت مشروعها الطائفي، فإنها يمكن أن تكسب المزيد. إلا أن السحر سرعان ما انقلب على الساحر ومليشياته في آن معا.
فالمشروع الطائفي في العراق انقلب وبالا على الجميع، حتى بلغ الانهيار (والفساد) حدا لا يمكن وصفه بكلام ولا بأرقام.
أما الحرب ضد الشعب السوري، فإنها لم تتحول إلى حرب دمار شامل إلا لتقود الاقتصادين السوري والإيراني معا إلى الوقوف على حافة الهاوية.
اما اليوم، فلا أدري، وقد تزحلقت الأقدام والعمائم، في أي درك من الهاوية قد وصلت إيران الآن.
الحقائق المادية البسيطة تقول إن تلك الحرب بدأت بينما كان الدولار يساوي أقل من 10 آلاف ريال. بمعنى أن السلة المطلوبة لم تكن كبيرة.
أما اليوم، فقد تضاعف حجمها أربع مرات. وفي غضون الستة أشهر الماضية وحدها خسرت العملة الإيرانية 19% من قيمتها.
هذه ليست نكتة. إنها واقع خشن، يقول لأصحاب المشروع الطائفي: إنكم ذاهبون إلى خسران مبين.
وثمة ما خفي، وهو أعظم. فالبنية التحتية المتهالكة، والخدمات التي تتراجع، والعجز عن تمويل العديد من المشاريع الحيوية، يجعل الصورة قاتمة إلى درجة تجيز التساؤل عما إذا كانت شعوب إيران ستظل قادرة على مواصلة الصبر على المنحى الكارثي الذي سلكته سلطة الولي اللافقيه لتمويل نزعاتها التوسعية وتدخلاتها في شؤون الدول المجاورة.
لقد قلنا من قبل، أن المشروع الطائفي الذي تقوده إيران في المنطقة سوف لن يأتي إلا بالويلات على شعوب إيران، دع عنك ضحاياه. وهذا ما يحصل بالفعل الآن.
وليس ثمة ضوء في نهاية النفق. ذلك أن النفق الطائفي الصفوي لم يُبنَ لكي تكون له نهاية أصلا. إنه حفرة، كلما دقت إيران فيها معولا، كلما زادت عمقا.
والحرب قائمة، والإفلاس مستمر، حتى يأتي ظرف يسمح برفع الغمة والغمامة عن عيون الإيرانيين.