د.ثريا العريض
بقي من العام الميلادي خمسة أيام ثم نقلب صفحة جديدة ويدخل العالم كله عاما جديدا. والمعتاد كل عام أنها فترة يراجع فيها كل فرد ما حدث في العام الأسبق، ويقوم بجرد مكتسباته ومنجزاته وخسائره على السواء.. سواء كان مفردا أو رب أسرة أو حاكم مجموع من البشر.
منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية حتى الآن والمحصلة، كونيا، تؤكد تراكم خسائر فادحة في الشعور بالأمن والعدالة والمساواة. ومنذ نهاية الألفية والسلام حلم بعيد يتذكره الناس بحنين من ينتظر بلا أمل. وحين يغيض من توقعاتنا الأمل يتوقف العمل لتحقيق الأمنيات.
هذا العام المنصرم تكثفت فيه غيوم سوداء كثيرة أغرقت الملايين بالمعاناة ولم تكن غيث رحمة.. وإن كان لله في كل ما يجري حكمة تغيب عن البشر.. وتصاعدت عواصف سياسية وأعاصير أدخلت الملايين في موسم آلام وأحزان وفقدان للاستقرار بكل مستوياته.. وظلت الساحة السياسية تسبح في جو من الضبابية تتكشف عن دموية مريعة وفيضانات من الموت. ومن لم يمت في قصف طائرات وقنابل وصواريخ من السماء، أو جوعا وهو محاصر في مدينة ولد فيها ولا يعرف غيرها، أو غرقا في محاولة الهروب من أراضي وطن يحترق بفعل فاعل لا شأن له به، ما زال يواجه الموت ممنوعا من عبور حدود أوطان الغير، أو متجمدا من البرد والصقيع في مخيمات لا تحميه من غضب الطبيعة، أو يأسا أو تعذيبا في سجن ما.
و يبقى القلة المحظوظون.. يراوحون بين حرقة البكاء وأمل الدعاء أن تتوقف المعاناة بمعجزة إلهية ربانية تزيح سحب قرارات الجهلاء عن خارطة البقاء، وبتعاون القادرين من الدول والأفراد ممن ما زالوا يحتفظون بشيء من الإحساس بالإنسانية، مدركين أن الإنسانية مع الأسف أمست مصطلحا مطاطا يتسع لتقبل إجراءات ردعية وإجراءات وقائية تسمح بمعاملة بعض بني آدم بتعريفات مسبقة تصمهم باستحقاق الإقصاء من عائلة الإنسان بتعريف فئوي أو عنصري أو مذهبي.
وعند نقطة استيضاح ما أحلم أن تفرحنا به السنة القادمة من معجزات، أتمنى فقط أن يشرع الباب للأمل في تطهير حياتنا البشرية من المعاناة، يختفي من وعي الإنسان الشعور بالظلم والقهر، وتصديق حتمية أفضلية فئة على فئة إلا بالتقوى والعمل الطيب.. ويبقى التمسك بالإيمان بالعدالة الإلهية، وسمو العقل البشري فوق الغرائز والأطماع الآنية القائمة على ابتزاز الغير، وأن يختفي من الوجود كل طاغية معدوم الوجدان لا يرى غضاضة ولا يشعر بالذنب أن يضحي بكل أفراد مواطنيه ليكون « آخر من يغادر الوطن»، أو يضحي بملايين أبناء الأرض في أوطان أخرى ليرضى شبقه للظهور بوصفه الأقوى بين الطغاة.
اللهم نسألك أن تزيل الهموم ومسببيها من وجودنا الإنساني, وأن تتبدد من وجودنا مسببات القلق والخوف والتوجس من الآخرين, وأن ننصرف عن بناء المتاريس والجدران إلى إعمار الأوطان، لنجد أنفسنا منجزين في الصناعة وتشييد الجسور وتقوية البنيان.
اللهم نسألك أن يكون عام 2017 عام عبور إلى التفاؤل, والمرور إلى حقب تفاعل إنجاز ومشاعر حبور لكل الإنسانية.
اللهم نسألك أن نرى التناحر يتلاشى ليترسخ التساند والتقبل والتعايش والتعاون.. وأنت سبحانك على كل شيء قدير.