سعد بن عبدالقادر القويعي
لا تزال السلطات الإيرانية تعتبر عمليات إجلاء المواطنين من حلب السورية، والدمار الكبير الذي لحق بالمدينة نصراً أمام معارضي الأسد، وهو ما يعني تأكيد أجندتها الخاصة، وتعزيز نفوذها في قلب المنطقة الإستراتيجي، ومركز مخططها الجيوسياسي. ولأن حلب تقع في قلب الصراع الجيواستراتيجي الدائر في سوريا، فإنها تمثل أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة إلى إيران؛ لأن من أهم المزايا التي تتيحها السيطرة على المدينة، هي تأمين خطوط الإمدادات، والتي تعتبر نقطة تقاطع في المشروع الإيراني؛ لبناء ممر أرضي للبحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار مشروعها الإستراتيجي بتأمين ممر بري يخترق العراق، ثم شمال شرق سوريا إلى حلب، وحمص، وينتهي بميناء اللاذقية.
من خلال إحداث الفوضى في سوريا، فقد كان - قائد الحرس الثوري الإيراني - محمد علي جعفري شديد الوضوح في إعلانه - قبل أيام -، بأن: «استعادة حلب هي هدف إيران الأول؛ لأنها ستكون في قلب مشروع طهران الجيوسياسي الجديد»، وأن: «حلب السورية تشكل الخط الأمامي للثورة الإسلامية في بلاده، وأن طهران باتت تبحث عن أمنها خارج حدودها الجغرافية»، معتبراً ما سماها بـ « تصدير الثورة الإسلامية أحد منجزات بلاده بزعامة - المرشد - علي خامنئي»، وواقع الحال يؤكد ما سبق، بعد أن استثمرت إيران، والميليشيات المتطرفة الإرث - التاريخي والديني -، وتطويعه لأغراض طائفية، - خصوصاً - بعد التراجع الأمريكي الكبير في الساحتين - السياسية والعسكرية.
أهميّة المدينة - الرمزيّة والإستراتيجيّة - تتمحور في كون حلب واحدة من أقدم المدن في العالم، ولها منزلة استثنائية - تاريخية وسياسية وجيوسياسية -، وتعتبر أهمية رمزية كبيرة، باعتبارها ثاني أكبر المدن السورية، وأكبر المراكز الاقتصادية قبل أن يتم تدميرها بفعل الحرب، وهي المدينة السياحية الأولى في البلاد، إذ كان يقطن في محافظة حلب ستة ملايين نسمة، قبل اندلاع النزاع المسلَّح فيها في تموز/ يوليو من عام 2012، كأكبر تجمّع سكانيّ في سوريا. كما أنها لا تبعد عن الحدود التركية سوى ثلاثين ميلاً، أو نحو 50 كيلومتراً، - وبالتالي - فإن من ينتصر في حلب سيمهّد الطريق للانتصار على مستوى سوريا - بأكملها -؛ لأنه سيتقدّم نحو مدينة إدلب، وهي المعقل الثاني للمعارضة في سوريا؛ حتى تحقيق الإنجاز الكامل، وهو ما نخشاه فعلاً من أن كروزني أخرى تنتظر حلب، وذلك في مفترق طريق لمستقبل سوريا، والذي أفضى إلى مفترق مُشبع بالمآسي، والدماء.
تأتي معركة حلب في لحظة فارقة جداً بالنسبة إلى النزاع، جعلت من معالم الصراع الإيراني على النفوذ ذات طابع أيديولوجي، تمظهر في دخول قوي لإيران، وميليشياتها على الخط لملء الفراغ، في ظل صمت، وتواطؤ دولي مريب، - ولذا - فإن المصلحة المشتركة لتأمين نظام الأسد، تحولت إلى أكبر قدر من المصالح الإيرانية، والتي شكلت لحظة فارقة في الحرب السورية؛ ولنؤكد أن لحلب أهمية لا تقل عن دمشق بالنسبة لإيران، وأتباعها.