جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد عشرة أعوام مثـّل فيها المملكة العربية السعودية في منظمة الثقافة والعلوم
«اليونيسكو»، يغادر الدكتور زياد الدريس باريس الجمعة المقبلة، منهياً عقداً من الزمن من التمثيل المتوهج للمملكة في عاصمة النور وفي أهم محفل ثقافي عالمي.
قبل زياد الدريس لم نكن نشعر بالحضور السعودي في هذه المنظمة العالمية التي تهتم وتحافظ على الثقافة، وقد فعَّل الدريس المكانة السعودية وجعل الحضور السعودي له مكانته التي تليق وتتوافق مع المكانة السعودية في عالم اليوم، وقد نحتاج إلى العديد من الصفحات لكي نسجل ونبرز ما قام به الدكتور زياد الدريس الذي لم يخدم بلده المملكة العربية السعودية فحسب بل خدم الدول العربية جمعاء، وجعل للكتلة العربية في المنظمة تأثيرا وحضورا قويا، وساعد على توثيق وتسجيل الكثير من المواقع والمظاهر الثقافية التراثية العربية، فإضافة إلى نجاحه في تسجيل وتوثيق ما تزخر به المملكة العربية السعودية من تراث عالمي، وهو ما ثبت في القائمة العالمية التي تصنفها اليونيسكو، ساعد أيضاً في إدراج العديد من الشواهد التراثية العربية والإسلامية، كما عزز الوجود والتأثير العربيين في المواقف التي اتخذتها المنظمة الدولية للدفاع عن الحقوق العربية، ومن أهمها الدفاع عن الحقوق الفلسطينية في أحقية الفلسطينيين في الحفاظ على ملكيتهم الحصرية بالقدس كمدينة عربية إسلامية.
الحديث عما فعله الدكتور زياد الدريس -كما ذكرت في بداية هذه الزاوية- لكثير وكثير، وكان فعلاً نموذجاً رائعاً للكفاءة السعودية العالمية حينما وجد الفرصة لتمثيل بلاده التمثيل المشرّف، فهذا الشاب السعودي كان نافذة رائعة ومشرّفة للدبلوماسية الثقافية السعودية، وقدّم صورة لا يمكن أن تحققها مئات الحملات الدبلوماسية والإعلامية، فقد استطاع أن يبرز دور المملكة العربية السعودية في العديد من المجالات والمبادرات الثقافية العالمية، ومنها إحياء دور اللغة العربية والتعريف بها، كما ساعد وجوده في المنظمة الدولية على تكوين رابطة عربية شكلت قوة دولية في المجلس التنفيذي للمنظمة، واستطاع أن يعزز ويدعم القضايا العربية التي وجدت تفهماً ودعماً في قرارات المنظمة لأن «المحامي» الثقافي الذي كان يدافع عنها ويعرضها متمكن وقبل ذلك مخلص لبلده وثقافته، وانتماؤه العربي والإسلامي.
الدكتور زياد الدريس سيعود للمملكة وحتماً سيجد موقعاً آخر يقدم من خلاله خبراته وإسهاماته، إلا أن المكان الذي سيتركه سيعاني من الفراغ الذي سيخلفه وكان الأجدر الإبقاء على وجود زياد الدريس في باريس لتعزيز ما قام به وتحقيق إضافات تراكمية فطالما الرجل قد نجح في عمله فلماذا نعجل بعودته، فالعشر سنوات التي قضاها هناك حققت العديد من النجاحات ولا تقاس بالسنوات التي قضاها هناك، فالذي أنجزه يساوي عشرات السنين من العمل، ولا أدري هل طلب زياد الدريس العودة أم بادرت وزارة التعليم باستعادته رغم أن كثيراً ممن يمثلون المملكة في الخارج يقضون أعواماً أضعاف ما قضاه زياد الدريس في باريس.