رجاء العتيبي
كان لدي إيمان كبير بأهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة في تنمية الاقتصاد السعودي، حتى قرأت مقال الأستاذ/ عبد الرحمن الراشد الأخير (إعادة بناء القطاع الخاص) في جريدة الشرق الأوسط الأحد الماضي, ومن مجرد مقال تيقنت بأهمية المنشآت الكبيرة في نمو القطاع الخاص, وعندما أقول مجرد مقال فإني أعني أهمية الفكر والنظرة الثاقبة التي حملها المقال بصورة تجعل الآخرين يعيدون النظر في رؤاهم السابقة, تفوقت على كثير من الدراسات والأبحاث والتقارير التي عادة يطالعنا بها عالم الاقتصاد.
مقال صغير, سريع، خفيف قال ما لم تقله أكبر شركات الاستشارات الاقتصادية في العالم, أشار فيه الراشد إلى أن القطاع الخاص بوضعه الحالي لا يعول عليه إذا ما أسندت إليه الحكومة كل المهام, مؤكداً أن (قطاعنا الخاص) عبارة عن دكاكين مبعثرة هنا وهناك قائمة على التستر غير متطورة.
وألمح الراشد إلى أهمية التحول لسوق الشركات الكبرى, باعتبارها أقدر على التطور والسعودة واستقطاب المبدعين وتوطين التقنية المعقدة والمكلفة في مجال التقنية والكهرباء والنقل والتدريب والتعليم وغيرها، وقال إن السوق الحالية بنيت لزمن معين، ولكنه انتهى الآن, وعلينا إعادة بنائه من جديد بناء يتواءم مع الاتجاهات الجديدة بواقعية تتناسب مع حالتنا.
الراشد - عادة - لا يكتب مقالات بقدر ما يكتب (خارطة طريق) لكل الاتجاهات التي يطرقها، فلديه قدرة على الاستبصار عميقة, تجعل من مقالاته (استشارات) مجانية للذين يعرفون الاقتصاد, وإذا مر هذا المقال دون أن يأخذ حقه من الاهتمام وفقا للتوجهات الجديدة في مجال الاقتصاد, فإني أراها خيبة أمل في حق من يفكرون من أجل الوطن.
هذا في تقديري لا يتعارض مع الاقتصاديين المهتمين بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة, ولا يتعارض مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي ظهرت مؤخراً, ولا يتعارض مع البرامج والمعاهد الجمعيات المهتمة بهذا الجانب, فالمسألة في (الأولويات)، لنفتح أولاً المجال للمنشآت الكبيرة وحتى تأخذ دورها كاملاً ويقف الاقتصاد على (أرض صلبة) يمكن بعدها فتح المجال للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بنظم سهلة وسريعة وغير معقدة.
ليس الأمر بالتعصب لوجهات النظر بقدر ما يكون في معرفة واقع القطاع الخاص الحالي باعتباره ما زال ضعيفاً وغير جدير بأن يتلقى المهمة من (الحكومة) بهذه السرعة، وهو الذي كان (عالة) عليها لسنوات طويلة.
وإذا كانت (الكيانات الاقتصادية الكبيرة) قد تفتت إلى كيانات صغيرة تماشيا مع مفهوم المنشآت الصغيرة والمتوسطة فإن هذا صحيح في (عوالم) أخرى غير عالمنا, لهذا علينا تجنب حرق المراحل, وأن نسير بمنطق وفكر ووعي بما يتناسب مع حالتنا الراهنة وليس حالة اقتصاد المجتمعات الأوربية والأمريكية.
على الأقل لم يمر علي هذا المقال دون أن أشير إليه هنا, بحسب حجم القرار الذي أملكه.