د. حسن بن فهد الهويمل
مُتَلَقِّي النص [الإيراني] مع توفُّره على كلِّ متطلّبات [نظرية التلقِّي]، يحار بين عِداءٍ متبادل بين [إيران] ودول الاستكبار، والاستعمار. يقابله تخندق مشترك ضِدّ استقرار المنطقة العربية، وسيادتها.
- فهل ما يجري يتم بتدبير، واتفاق بين الطرفين؟??.
أم أنّ شيئًا ما يؤلّف بين قلوبهم، لا يعلمه إلاّ الراسخون في علم اللُّعب السياسية الكبرى.
مضمرات الغرب تتطلب ملعوبًا عليه، مسكونًا بعداء تاريخي، وبغضاء عنصرية، وحقد طائفي. وليس هناك أفضل من [رفض إيران، ومجوسيته]. إنها قنبلة موقوتة، لن يُفَوِّتَها الغرب، لأنه يوهن بها كل الأطراف العربية، والفارسية، والسنّة، والشيعة.
الغرب كله، ومنظماته العالمية أجمع، يواطئون [إيران] بالقول، والدعم، والتستر على جرائمه. لأنه ينفذ [أجِنْدَتهم] المتفقة مع حقده العنصري
لقد سلموا له [العراق]. واستدرجوه إلى [سوريا]. وغضّوا الطرف عن زرعه لـ[حزب الله] على حدود [إسرائيل] ودعمه لـ[حماس]. واستضافته لرموز الإرهاب. ولم يحسموا بعد موقفهم من تدخله في [اليمن].
ومع كل تخبطاته، ومغامراته لما يزل يُرغي، ويُزبد، ويلعن الغرب، ويتوعد الصهيونية.
- فما السر في هذه التناقضات الصارخة؟.
ما يبدو لي من خلال قِراءةٍ مُستجدَّة، متوسِّلَةٍ بكل مناهج النقد الحديث لظاهرة إيران أنه لاعب أرعَن، وملعوب عليه أغْبَى.
الغرب استغل جنون العظمة، وأحْلام الطيش عند آياته ملاليه. وركب موجه تصدير الثورة، والطائفية، والحقد الفارسي على العنصر العربي. ومع هذا الدعم الموزون، لم يطلق الغرب لإيران العنان. ولم يفك القيد من رقبته، بل ظل يرقب الأوضاع.
فعندما يقل عنده الإنفاق، يُفرج عن شيء من أرصدته. وعندما يحتاج إلى السلاح التقليدي، يدسه إليه بمقدار، وعندما يشرف على الهزيمة، يحرك أغبياء آخرين لمساندته.
والغرب بهذه المراوحات المتماكرة، يمزق الأمة العربية، ويضعف كيانها، ويضمن تشغيل مصانع السلاح، وتحريك الركود الاقتصادي.
نعم هناك خوف من [إيران]، وخوف عليه. فلا الغرب يسمح له بتحقيق طموحاته، ولا هو يسمح بذهاب ريحه. يريد له أن يظل ماردًا في قفص، يخيف به الأمة العربية، ولا تخاف منه [إسرائيل]، بحيث لا يوفر له من القوة، والنفوذ ما يزايد به على مصالح الغرب في المنطقة.
يريدون له أن يكون شرطيًا، ولكن ليس على غرار غطرسة الشاه، وقوّته. الحرب في مشرقنا العربي لها أهداف غربية، بعيدة الغور، ومتمترسة خلف صراعات المنطقة، مستغلة العداء الإيراني التاريخي للأمة العربية.
الغرب حين يُنْفِذُ لعبه، يصنع لها القابليات المُشَرْعِنة لها، ويمهد لها باندفاعات رعناء، وأحلام طائشة. لقد قضى على [ترسانة الشاه] بحرب السنوات الثماني. وقضى على [الترسانة الصَّدَّاميَّة] بلعبة [سلاح الدمار الشامل].
ورَدّ الأمة العربية إلى مربعاتها الأولى، بالتماس لاعب غبي تمثل في [إيران].
واللعبة الأقذر تكمن في خلق توازنات في القوى. فـ[إسرائيل] لن تواجه إسلامًا موحدًا، ولا قومية واحدة.
و[الشيخ النجدي] المندس بين المؤتمرين في [دار الندوة] بـ[مكة] تجسَّدَ في أساطين السياسة المتصهينة. الذين أعادوا قراءة المشهد، وقرروا تشكيله على أسس طائفية. فما عاد في وسع الغرب المهيمن الإبقاء على وضع مقلق.
[شفرات اللعبة] تُبقي على الأحلام التوسعية لـ[إيران]، ثم لا تمكنه من الهيمنة. لقد هيأ [الغرب] لـ[إيران] مواطئ قدم في أربع دول عربية. ولم يضمن له الهيمنة التامة، بل عزز المقاومة ضِدَّه. وهو بهذه المخادعة يَضرب أكثر من عصفور.
وحين تضع الحرب أوزارها، وترضى إيران من الغنيمة بالأياب، فإن آثار الفرقة، والتشرذم باقية.
[الغرب] ليس مع [إيران] كما يظن البعض. وليس ضد العرب. إنه مع مصالحه طويلة الأجل. يبحث عن المحارب بالوكالة. يريد عالماً ثالثيًا، لا يموت في أوضاعه، ولا يحيا. وهو لكي يُبْقي على الحاجة إليه، يعمق العداوات، ويحرض على الثارات.
وهو لكي يمهد لتدخلاته، يحمل لافتات [الديمقراطية]، و[الليبرالية]. وإذا بادرت الشعوب المغلوبة، وأعادت الدبابات إلى ثكناتها، ووضعت صناديق الاقتراع، ثم جاءت الصناديق بما لا يشتهي، بدأ في تدبير الانقلابات الحمراء، والبيضاء.
إنها خطابات كالمفازات يحار فيها القطا. وفي خضم الأزمات المتلاحقة يتساءل الحائرون:-
- ما الحل؟
الحل في الوعي. وعي الشعوب لواقعها، والانطلاق من القاع، بعروبة ترفض المسخ، وعقيدة ترفض الشطح، وانضباط يرفض التسيب، وأنظمة تحميها الشعوب لقوّتها وعدلها. وحمايتها لهويتها العربية، ولإسلامية.
ويبقى [إيران] خطابًا يروغ من المتابع كما يروغ الثعلب. يَدَّعِي الإسلام، ولمّا يدخل الإسلام في قلبه. ويلعن الغرب، وهو ينفذ [أجِنْدته]. ويخادع [شيعة العرب] بدعوى رفع الظلم عنهم، ثم لا يزيدهم إلاّ خبالًا.
كل العراقيين، والسوريين، واللبنانيين، واليمنيين يودون لو أنهم ما عرفوا [إيران]، ولا سلموا أمرهم لآياته، وملاليه.
وعندما يعود [إيران] إلى جُحْره خائفًا يترقب، يبقى الموفضون إلى نصبه بلا زاد، ولا راحلة.
الأمة العربية في عهودها الانقلابية المشؤومة، جرَّبت مختلف الأنظمة، وبُحَّت حناجر الدهماء من الهتافات، والتهبت أكفها من التصفيق، وما جنت إلا الخسار، والبوار.
وهي الآن مطالبة بتشريح كل الخطابات المتداولة، والأخذ بأحسنها، والتضلُّع من [فقه الأحكام]، و[فقه الإنزال للأحكام]، و[فقه الواقع]، والاعتصام بحبل الله كما أمرت.
و[إيران] بكل أحلامه الطائشة، لعبة مؤقتة، سيعود إلى جحره خاسئًا، وهو حسير، وذلك عندما يقضي الغرب منه وطره.
ذلكم هو الخطاب المراوغ. إنه نَصٌّ مسرحي، ولن تخرج الدُّمى عن النَّص، لأنّ الممثل الفاشل لا تخوّله إمكانياته من الخروج عن النَّص.