د. جاسر الحربش
بنهاية هذا العام يكون المواطن السعودي خلَّف وراءه مرحلة الاستهلاك العشوائي التي امتدت عشرات السنين، ودخل إلى مرحلة الترشيد المعيشي التي لا ندري كم سوف تستمر. الآن أصبحت علامة الاستفهام الكبرى متى ندخل إلى المرحلة الإنتاجية النوعية والاكتفاء الذاتي. بالحساب البسيط كنا لسنوات طويلة في مرحلة حساب الطرح فقط، والآن ندخل مرحلة الجمع والقسمة، ونأمل أن نتحول قريباً إلى مرحلة الضرب، ليس بالمعنى التأديبي وإنما بمعنى مضاعفة الأرقام الإنتاجية.
الآن طرحت الميزانية الجديدة مصحوبة بتفاؤل كبير بين المخططين وشروحات وافية من المنفذين، وأيضاً بمديح كبير من إعلاميين أكثرهم لا علاقة له بالأرقام والاقتصاد سوى ما هو في حدود الثقافة الفضائية. لنعتبر الموازنة وجبتنا الوطنية لعام كامل، والاقتصاديون طبخوها، أما الإعلاميون فربما ساعدوا في إضافة الملح والبهارات. لدينا مثل قديم يقول إن كثرة الملح تفسد الطعم، ومن الأمثال نستفيد. الملح والبهارات يجب ألا تزيد على المقادير الأساسية للوجبة نفسها.
لست اقتصادياًً ولا إعلامياً، ولكن حسب ما فهمت من المقروء والمسموع أن هذه الميزانية بداية تحوُّل وطني نحو ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات وتخفيض العجز باعتماد كفاءة توظيف الأموال ودقة المراقبة والمتابعة، وهذه كلها عناصر تفتح النفس للتفاؤل. للوصول إلى هذه المعادلة الصعبة، بإيرادات وضعت السعر الافتراضي للنفط عند ستين دولاراًً للبرميل، سوف يكون هناك بالتدريج التصاعدي حتى عام 2020م زيادة على أسعار الخدمات والمحروقات والطاقة والمواد الاستهلاكية الكمالية وضرائب تتناسب مع المداخيل الشخصية في القطاعين العام والخاص، وعلى البضائع من ذوات القيم المضافة التي يصنفها المخططون الاقتصاديون من الكماليات. بناءً عليه سوف يقسم المجتمع استهلاكياًً إلى شرائح اجتماعية من ذوات الدخل المحدود والمتوسط والمرتفع، وسوف يكون هناك بدلات تعويض تراعي الشرائح المحتاجة إلى التعويض.
هنا يتركز اهتمامي على إشكالية المرحلة الانتقالية التي سوف يتحتم على ذوي الدخل المحدود عبورها، كم تطول وكيف ستكون آليات تجسير الفرق الطبقي، وفرز الدعم لمن يحتاج ومن لا يحتاج، وذلك بناءً على ما ترسب في ذاكرتي من عشوائيات الضمان الاجتماعي في العقود السابقة.
إنها ثقافة عامة لا تحتاج إلى تأكيد أو نفي وزاري تقول ان نصف المواطنين على الأقل من ذوي الدخل المحدود، بعدد أكبر في أفراد الأسرة وبحاجات أكبر للأساسيات المعيشية، علماًً أن هؤلاء هم بالذات الذين يدفعون نصف مداخيلهم على الإيجار لأنهم لا يملكون السكن الخاص.
بناءً على هذا الواقع العددي والمادي يوجد احتمال لما قد يحصل مؤقتاًً لذوي الدخل المحدود:
أولاً: قدراتهم الشرائية سوف تنضغط أكثر، بسبب الترشيد جزئياً والعجز المالي كذلك.
ثانياً: أطفالهم ومراهقوهم سوف يحرمون من المستهلكات المصنفة من ذوات القيمة المضافة (الغازيات والكاكاوات وقراميش البقالات والألعاب إلى آخره). صحيح أن هذه الكماليات لا ضرورة لها ولا نفع فيها ولكن الفرق في التدليع الطبقي يوغر الصدور.
ثالثاً: فيما بعد خصخصة الرعاية الصحية سوف يحصل منسوبو الطبقة المحدودة الدخل على الكفاءة المعادلة لمداخيلهم في التأمين الصحي، فقط بما يكفي للخدمات الصحية ذات التكلفة المنخفضة والمتوسطة. أما خصخصة التعليم إن تم تطبيقها فسوف تكون إشكالية اجتماعية، لأنّها تتدخل في الإمكانيات التنافسية على مراكز التعليم عالية الجودة مرتفعة الرسوم.
وأخيراً هناك مسألة احتمال نزول جزء من ذوي الدخل المتوسط إلى الأسفل بسبب الركود الاقتصادي العالمي والبطالة لأعداد كبيرة من شبابنا من الجنسين. الطبقة الوسطى هي المحرك العقلي والاقتصادي في كل المجتمعات، وإذا تزحزحت تزحزح المجتمع بكامله.
بكل ما يعنيه الإخلاص والوفاء للوطن والحرص على استقرار الأجيال القادمة، سوف أبقى متفائلاً بالميزانية والتحول الوطني مع المتفائلين، وسوف أحتفظ بمكاني مع المتابعين للتنفيذ والمراقبة والمحاسبة.
واجب التفاؤل يقوم على مفهوم الحديث الشريف : (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).