فهد بن جليد
لا أعرف بلداً في العالم قام بمثل ما قامت به المملكة عند إعلان ميزانيتها؟ عندما عُرضت مواجهة الصحافيين مع الوزراء المعنيين بالميزانية (وجهاً لوجه) على الهواء مباشرة أمام المُشاهدين، فيما يُشبه المُناقشة العلنية بكل شفافية على كل خطوة وبرنامج في الميزانية، حتى تلك الدول التي تتغنى بالديمقراطية والتعددية السياسية، تُحيط ميزانياتها غالباً بالسرية والغموض، ولا تسمح بالمناقشة أو الإقرار العلني أمام الشعب إلا عبر مجالس مُغلقة، ولكن الميزانية السعودية الأولى في طريق التحول الوطني 2020، والرؤية الوطنية 2030 تجاوزت كل تلك الشفافية المُعتادة، وسَنّة (سُنة حسنة)؟!.
بل إنه قبل إقرار واعتماد الميزانية بـ48 ساعة قام سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بدعوة رؤساء تحرير الصحف وبعض الكتاب والإعلاميين، للتحدث معهم بشفافية وصراحة عن الخطوط العريضة للميزانية، والخطوات التي تحملها، مُجيباً على الأسئلة، وكاشفاً عن برامجها الجديدة، في خطوة نادرة الحدوث على الصعيد العالمي، عندما يتفنن السياسيون عادة، ويتسابقون في إخفاء (ميزانيات دولهم) وأرقامها عن عيون الصحافيين، بينما العكس يحدث عندنا في واحدة من أكثر علامات الشفافية والإيمان بدور (الإعلام والإعلاميين) كشركاء نجاح حصلوا على ثقة المسؤول، وناقلوا حقيقة للمواطن العادي، أؤتمنوا على صناعة الرأي بالنقد البناء، والدفاع عن خطوات مُستقبلنا الواعد أمام المُرجفين، ومروجي الأكاذيب..!.
من العلامات الفارقة في ميزانية هذا العام، أنها كسرت الجمود في الأرقام التي تتضمنها بشكل طبيعي ميزانية أي بلد في العالم - والتي لا يفك رموزها عادة غير الاقتصاديين والمحللين الماليين - لتخاطب عقلية (المواطن) العادي، كونه المحور الرئيس لواحدة من أضخم ميزانيات دول المنطقة وأكثرها شفافية، خصوصاً وأنها تتضمن خطوات تصحيحية مؤلمة لتنويع مصادر الدخل، وتتخذ في ذات الوقت خطوات (دعم) ذكية لتجنيب أصحاب الدخول المتوسطة والضعيفة من المواطنين، تبعات وقف الدعم عن بعض الخدمات الأساسية.. إلخ.
لو لم تكن هناك ثقة في المواطن السعودي، ورهان على قوة الاقتصاد الوطني، وإيمان بأهمية وحتمية رؤية المملكة وبرامجها التحولية لمُستقبل واعد ومشرق، لما رأينا الميزانية السعودية تعرض بكل هذه الشفافية والوضوح غير المسبوقين؟!.
وعلى دروب الخير نلتقي.