د. محمد عبدالله العوين
لم تتم الإشارة في ميزانية الدولة لعام 1438 - 1439هـ/ 2017م إلى ما سبق أن تحدث به ولي ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان ضمن حزمة إصلاحات كبيرة في مرحلتَي التحول الوطني ورؤية 2030م بتخصيص القطاع الطبي التابع لوزارة الصحة؛ فيكون دوره محصورًا في التخطيط والإشراف والمتابعة، وتكفل الدولة دفع تكاليف التأمين الطبي للمواطنين.. ونظرًا لعدم كفاية المستشفيات الحكومية في تلبية الاحتياج العام في كل التخصصات الطبية؛ إذ تتأخر المواعيد أشهرًا طويلاً، ويجد الطبيب حرجًا في استقبال عدد كبير من المراجعين خلال ساعات محدودة، تفوق قدرته على استقصاء تفاصيل كل حالة بما تستحقها من دقة وعناية.
هذا إذا توافرت فرصة الإحالة إلى المستشفى المتخصص بعد جهد وطول انتظار، أو شفاعة من أحد من لهم سلطة أو (دالة) في المستشفى المقصود.
وبسبب طول الانتظار في المواعيد، أو تعذر التحويل، أو الشعور بعدم الاهتمام والعناية، يضطر كثيرون إلى الذهاب إلى «دكاكين» الطب التجارية، من فئة مستوصف إلى مستشفى خمسة نجوم. وتتكشف حالة من السعار المادي المحموم منذ أن يتم تسجيل الحالة إلى خيار العرض على أي طبيب، ثم إلى قائمة من الفحوصات والأشعات المختلفة التي قد تكون غير ضرورية، وتختتم الزيارة أو الزيارات المتكررة بقائمة أخرى طويلة من الأدوية التي تصرف من صيدلية المستشفى التجاري الخاص.
ولا شك أن المواطن حين يلجأ إلى أي من دكاكين الطب على أي مستوى كان فإنه مضطر إلى أن يخضع لابتزاز مكشوف أكثر من كونه عناية طبية حقيقية؛ وذلك - في الأكثر - لغلبة روح الاتجار والتكسب من التاجر الكبير صاحب المنشأة الطبية إلى الطبيب التاجر الصغير الذي يستثمر كل دقيقة من وقته في أكثر من قطاع طبي.
ومن الإنصاف أن تُشكر وزارة الدفاع ووزارة الحرس الوطني ووزارة الداخلية على العناية الطبية بمنسوبيها، وإنشاء الصروح الطبية الضخمة على اختلاف مستوى الإنجاز وتميزه في كل من الوزارات الثلاث المشكورة. وقد عم خير الرعاية الطبية للقطاعات العسكرية أيضًا كثيرًا من المواطنين غير المنتمين إلى القطاعات العسكرية.
ومن ذلك أيضًا ما تقدمه عدد من الجامعات من خدمة طبية جيدة لمنسوبيها.
وتظل نسبة كبيرة من المواطنين ممن لا ينتمون إلى القطاع العسكري ولا إلى الجامعات التي أنشأت مستشفيات لمنسوبيها ليس لها مرجع طبي إلا المستوصفات والمستشفيات العامة لوزارة الصحة، وهي تعاني ضغط المراجعين ونقصًا في الأطباء والأدوية؛ ولذلك تم اتخاذ قرار ضرورة التأمين الطبي بالمواصفات العالية والإشراف الدقيق والمتابعة الدؤوبة من وزارة الصحة، وتتكفل الدولة بصرف بدل التأمين للمواطنين المحتاجين الذين لا يحظون بالرعاية الطبية وفق تنظيم دقيق.
وستتحقق مكاسب كبيرة جدًّا بتطبيق التأمين الطبي، منها:
- تنشيط القطاع الطبي الخاص، والارتفاع بخدماته، وضبط أدائه بصورة أكثر دقة ومهنية؛ فيتحول من مفهوم الاتجار بالطب إلى شرف المهنة أولاً، ثم المكسب ثانيًا.
- تحقيق مبدأ الرعاية الطبية اللازمة للمواطنين المحتاجين إلى العلاج الفوري السريع، وعدم الحاجة إلى السفر إلى البلدان العربية المجاورة.
- سنكسب صحة أفضل لقطاع كبير من المواطنين، وعطاء أكثر، ومالاً أوفر.
- مليارات من الهدر المالي على منشآت وزارة الصحة الطبية وعشرات الآلاف من الموظفين وأطنان من الأدوية سيتم توفيرها من خلال مفهوم الخصخصة وتحمُّل القطاع الخاص إدارة العناية الطبية بإشراف الوزارة بأقل من نصف ميزانية وزارة الصحة.
- سيكون جميع المواطنين مشمولين برعاية طبية عالية، لا فئات العسكريين أو منسوبي الشركات الكبرى فحسب، وسيسود شعور مريح عند من يوفر لهم التأمين بأنهم وغيرهم سواء في الاهتمام.
ولعل في تجارب الدول العالمية المتقدمة في التأمين الطبي فائدة يمكن الاحتذاء بها، والإضافة إليها.. والأهم ألا يتم التأجيل والتسويف في اتخاذ قرار البدء بتنفيذ هذا الأمر الضروري الذي أُشبع درسًا ونقاشًا.