جدة - عبدالقادر حسين:
استبشر اقتصاديون ورجال أعمال بقدرة المملكة على مواجهة التحديات والصعاب وتجنُّب الانهيارات الاقتصادية التي تشهدها كثير من دول العالم من خلال موازنة 2017، التي تجمع بين الانضباط المالي والنزاهة والشفافية، وأكدوا أن الأرقام التي أعلنها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - تحمل رسائل مهمة باستكمال مسيرة التنمية، ووضع «التعليم والأمن والصحة» على رأس اهتمامات الحكومة السعودية خلال العام الجديد، وتعزيز قدرة ومكانة المملكة إقليميًّا وعالميًّا، والقدرة على ضبط العجز المالي وتقليله إلى أقل مستوياته، مع تنويع مصادر الدخل، وزيادة العوائد غير النفطية.
واعتبر الاقتصادي المهندس الدكتور محمد التركي كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - أن الميزانية الحالية تدعم التكامل بين الأجهزة الحكومية لمواصلة الانضباط المالي. مضيفًا بأن تعزيز الشفافية والنزاهة شعار المرحلة الحالية للمملكة، وقال: نجحت السياسة المالية المتحفظة والمنضبطة في تخفيض العجز بالميزانية إلى 297 مليارًا بعد أن وصل إلى مستوى قياسي في عام 2015 (367 مليار ريال)، في حين سيشهد عام 2017 تحولاً مهمًّا في هذا الجانب، يتمثل في تخفيض العجز إلى 198 مليار ريال؛ ما يؤكد نجاح رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 في مواجهة الصعاب المالية الكبيرة التي تواجهها المنطقة، مع انخفاض أسعار النفط وتزايد التهديدات الخارجية، والحاجة إلى ترسيخ قواعد الأمن، في ظل القدرة على استمرار المشاريع التنموية الكبرى، وارتفاع الإنفاق عن العام الماضي بنسبة 6 %؛ ليصل إلى 890 مليار ريال.
ثلاثة مرتكزات
وأشار عضو مجلس إدارة غرفة جدة فهد بن سيبان السلمي إلى أن الموازنة السعودية لعام 2017 أظهرت متانة الاقتصاد المحلي، والرغبة الحقيقية لدى الدولة في استكمال مسيرة الإصلاح والتطوُّر من خلال اعتمادها على ثلاثة مرتكزات رئيسية، تتمثل في التعليم والأمن والصحة؛ إذ خصصت أكثر من ثلث نفقاتها لقطاعين أساسيين، هما التعليم الذي تصدر الإنفاق في الموازنة بنسبة 200 مليار ريال، وقطاع الصحة والتنمية الاجتماعية الذي يحتل المرتبة الثالثة في الإنفاق بـ 120 مليار ريال؛ ليصل إجمالي ما سيجري إنفاقه على التعليم والصحة نسبة 36 % من إجمالي الموازنة السعودية، دون أن يؤثر ذلك على توجُّه المملكة بترسيخ مكانتها الأمنية والعسكرية في المنطقة؛ إذ يحتل الإنفاق العسكري المرتبة الثانية بـ 190 مليار ريال بهدف توفير الأمن والاستقرار للمواطن السعودي، والقضاء على أي تهديدات تواجه حدود المملكة.
وقال عماد المهيدب عضو مجلس إدارة غرفة جدة: رغم التأثيرات الكبيرة التي تركها انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الوطني وجميع الاقتصاديات في المنطقة، ومع تواصل إنجاز مشاريع التنمية العملاقة بمعدل مطرد، واستمرار المملكة في تعزيز قدرتها الأمنية لمواجهة مخاطر الإرهاب الأسود.. إلا أن الموازنة السعودية المنضبطة نجحت في التصدي لجميع التحديات، وتميزت بالشمولية الاقتصادية اللافتة؛ إذ توزّعت على 9 قطاعات رئيسية، تصدرها قطاع التعليم بقيمة 200 مليار ريال، ثم القطاع العسكري بقيمة 190 مليار ريال، ثم قطاع الصحية والتنمية الاجتماعية بقيمة 120 مليار ريال. وخصصت الميزانية 107 مليارات ريال لوحدة البرامج العامة، ويأتي بعدها قطاع الأمن والمناطق الإدارية بنفقات تبلغ 96.6 مليار ريال، ثم قطاع التجهيزات الأساسية والنقل بنفقات تبلغ 52 مليار ريال. وخصصت الميزانية مبلغ 47.9 مليار ريال لقطاع الخدمات البلدية، ومبلغ 47.2 مليار ريال لقطاع الموارد الاقتصادية، ومبلغ 26.7 مليار ريال لقطاع الإدارة العامة.
أداء عالمي
وأوضح رجل الأعمال محمد العبدالله العنقري أن موازنة 2017م برهنت على الأداء الاحترافي للاقتصاد السعودي؛ إذ ظهر الأداء في 2016 أفضل بكثير من أداء اقتصاديات عالمية كبيرة، تأثرت بالمتغيرات التي تحدث في كل مكان. مشيرًا إلى أن الموازنة الجديدة لـ2017م تحتاج إلى المزيد من الديناميكية في تطبيقها لاستيعاب المتغيرات التي تستجد كل يوم في العالم. لافتًا إلى أن الفترة الحالية تشهد ظروفًا استثنائية، بينها حرب اليمن، وتزاد وتيرة الإرهاب، وانخفاض أسعار النفط.. وهي أمور تزيد من التحديات الكبيرة، وتزيد من المسؤولية الملقاة على حكومتنا الرشيدة.
وأضاف: رغم المخاوف التي تنتاب البعض من تراجع أسعار النفط إلا أننا قادرون على تجاوز كل الصعاب، وينبغي أن نعترف بوجود بعض التأثيرات على أداء الاقتصاد السعودي، مثل عدد كبير من اقتصاديات العالم بسبب محاربة الإرهاب، وانخفاض أسعار النفط، وتخصيص أغلب الدول ميزانيات ضخمة لمحاربة هذه الآفة الجديدة التي باتت تهدد أمن واستقرار دول العالم بأكملها.. لكنه تأثير لا يدعو للقلق أو الخوف، ويحتاج الأمر إلى الكثير من التدابير؛ ليخرج أكثر متانة وقوة عقب الأزمة الحالية.
نجاح رؤية 2030
ولفت الاقتصادي سيف الله شربتلي إلى نجاح المملكة في مضاعفة إيراداتها غير النفطية؛ لتصل إلى نحو 200 مليار ريال نهاية العام المالي الجاري كمؤشر كبير على نجاح خطط تنويع مصادر الدخل، وتحقيق أول مرتكزات «رؤية 2030». فبحسب الأرقام شكَّلت الإيرادات غير النفطية نسبة 38 % من إجمالي إيرادات المملكة في العام المالي الحالي، وهي النسبة الأعلى على الإطلاق لهذا النوع من الإيرادات؛ إذ كانت المملكة تتوقع في بداية العام الحالي تسجيل 181 مليار ريال من الإيرادات من خارج القطاع النفطي، لكنها تخطت هذا الرقم مسجلة 199 مليار ريال. وهي بشرى سارة للسعوديين جميعًا، وتأكيد بأن الدولة تسير في الطريق الصحيح.
وأكد أن المملكة ستواصل خطتها الجريئة والمنضبطة لزيادة الدخل غير النفطي؛ إذ يمثل تنويع مصادر الدخل التحدي الأكبر لكل السعوديين؛ كون الجهد الوطني للتنويع ضعيفًا جدًّا (التنمية حاليًا قائمة على الثروات الطبيعية فقط والاستثمار فيها)، ومن المهم أن يقل الاعتماد على البترول تدريجيًّا. والتحدي الآخر يتمثل في تطوير القطاع السياحي؛ لكي يكون قادرًا على جذب مستثمرين كبار بالسوق العالمية؛ ليحقق نموًّا متسارعًا. أما التحدي الثالث فهو تطوير وتنمية القطاع الصناعي الذي أسهم إسهامًا كبيرًا في نمو حجم الاقتصاد الفعلي للناتج المحلي؛ إذ إن بعض الدول العالمية اعتمدت في استراتيجيتها على استراتيجيات القطاع الخاص والقطاعات الاقتصادية التي حققت نموًّا لزيادة نموها، وعدم الاعتماد على مصدر واحد فقط.