علي الصراف
العالم مترابط! لا حاجة للبرهان على ذلك. فهل كان ثمة في ترابطه خيط، بدلالة أبرز ما حدث في العام 2016م.
خمسة أحداث كبرى وقعت في هذا العام، أصابت العالم بمقدار من الذهول جعل الكلام عاجزاً عن التعبير. فإذا كان لكل حدث منها ما سوف يتركه من عواقب، فإن الأسوأ لم يأت بعد.
- موجة الهجرة تحولت هذا العام إلى مؤشر لليأس الشامل. هذه الموجة التي طالت نحو مليوني إنسان، عبروا البحر، أو تجاوزوا الحدود، أضافوا إلى الملايين الذين ضاقت بهم مخيمات اللجوء حول سوريا والعراق، ما يمكن أن يأتي بدلالة قاطعة: نحن أمام بيئة يتحول فيها «المشروع الطائفي» الفارسي إلى عنصر اضطراب دولي، يهز المفاهيم ويزعزع القناعات ويمتحن الحكمة.
هذا المشروع بات «قوة» موازية لـ»قوة» الفقر والتخلف التي تبني دوافعها الخاصة للهجرة. وكلا هاتين «القوتين» صارتا دافعاً واضحاً لهدم الجسور، وإقامة الجدران، على امتداد العالم كله. وبات من السهل القول إن ثمة «ثقافة» تنشأ في هذا الاتجاه، تمهد لعالم خطير، غير العالم الذي كنا نعرفه.
- في الثالث والعشرين من حزيران - يوليو صوت البريطانيون، بأغلبية لا تقبل الجدل، لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. أوروبا كلها شعرت بالقشعريرة، وساد صمتُ الذهول العالمَ كله، ليس لأن التوقعات كانت تميل لصالح البقاء، بل لأن المنطق، والحساب العاقل للمصالح، كانا يستدعيان البقاء.
اليوم بات يتعين على بريطانيا أن تبحث عن منطق، وعن حساب عاقل للمصالح، من المنقلب الآخر. أما باقي دول الاتحاد الأوروبي، فإنها عادت لتبحث عن معنى جديد لتلك «الهوية الأوروبية» المأزومة، وعن أسس أصلح للبقاء.
المسألة الأساس في «البريكست»، هي أن الشعبوية التي أخافت الأوروبيين من مهاجري الغير، أخافتهم من هجرة بعضهم بعضاً أيضاً.
- في الرابع عشر من تموز - يوليو، ارتكب ذو السوابق، محمد لويحج بوهلال، ما يمكن اعتباره أكبر عمل إرهابي بعد جريمة 11 أيلول-سبتمبر (2001)، وذلك بقيامه بدهس حشد من البشر تجمعوا على شاطئ بلدة نيس للاحتفال بيوم الباستيل.
صحيح أن أعمالاً إرهابية أخرى ارتكبت قبل ذلك وبعده، إلا أن هذه الجريمة الوحشية، أظهرت بوضوح كم يمكن للإرهاب أن يبلغ من الجنون، وكم أن احتمالاته لا نهائية، وكم أنه فردي، وكم أن العالم كله يبدو قليل الحيلة، وأن عليه أن يتعايش مع الخطر على نحو دائم.
الوجه الأهم، هو أن الإرهاب الأعمى، إذا كان قد صار جزءاً من طبيعة هذا العالم (أو هذا ما يريده الإرهابيون)، فقد بات العالم أمام امتحان عسير لاستدراك الحكمة. وهذا ما لم يعد مضموناً على الإطلاق، بالصعود المدوي للشعبوية.
- في التاسع من تشرين الثاني - نوفمبر، انتخب الأمريكيون دونالد ترامب ليكون رئيساً. وهو انتخاب كان كافياً للقول إننا إذ نعيش في عالم مصدوم، فإن للصدمة ما سوف يليها من عجائب خارجة عن «المألوف» في السياسة والاقتصاد والإستراتيجيات.
- وفي خضم الشهر الأخير من العام، حققت المليشيات الطائفية وحلفاؤها في سوريا، تقدماً بدا ساحقاً في شرق حلب، تحت وقع وابل من عشرات الآلاف من الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي. إنما من أجل القول للعالم كله، إن الخراب الشامل يمكن أن يكون سلاحاً لفرض الإرادات السياسية أو فرض الحلول.
مئات الآلاف من البشر وجدوا أنفسهم أمام باصات الترحيل الجماعي، ليضفوا تتمة أخرى لموجة «الهندسة» الديمغرافية التي قادها طائفيو المشروع الإيراني في العراق قبل أن ينقلوها إلى سوريا، وليهزوا بها العالم برمته.
أشياء كثيرة يمكن أن تقال عن معاني الانقلابات في المفاهيم والهويات والسياسات والثقافات التي صنعها «عام الذهول». ولكن هل لاحظت «الخيط الفضي» اللامع في هذا كله؟
إنه خيط الولي اللا فقيه، الذي لمع أولاً، بتمهيد الأرض لتوليد «داعش» في العراق، ثم عاد ليلمع بالهندسة الديمغرافية التي طالت عشرات الملايين من البشر، ثم عاد ليلمع بفرار الملايين من القمع والوحشية، ثم عاد ليلمع بثقافة عالمية ترفع الجدران وتهدم الجسور.