عمر إبراهيم الرشيد
تطرب نفس العربي للكلام المنتقى الموزون مبنىً ومعنىً، شعراً ونثراً، وإن كان للشعر أقدم وأكثر تأثراً وحرفة وتميزاً بين الأمم. وكلما أمعن أحدنا في الرجوع زمنياً علت قيمة جواهر ذاك الشعر واستعذبت الأذن موسيقاه وسمت النفس مع معانيه وأغراضه. نعيش هذه الأيام احتفاء المنظمات الدولية والمدنية والحكومية بلغة الضاد، ما يثلج الصدر، كما قلت في مقالي السابق، وخصوصاً أن الوعي والاحتفاء يزيد عاماً بعد عام. إنما هناك مشروع حضاري يبعث على الفخر ويستدعي احترام ودعم صاحبه، هذا المشروع هو (راديو الثقافة) الذي يوثِّق صوتياً جواهر الشعر والأدب والتراث العربي بصوت صاحب المشروع وهو الإعلامي والمسرحي الكويتي فهد مشعل. قلت في عنوان المقال إن هذه المبادرة العظيمة سباحة ضد التيار؛ لأن الغث في إعلامنا العربي قد طغى مع شديد الأسف، وصار الإسفاف وثقافة التسطيح هي الأكثر إن كان في القنوات المرئية أو المسموعة، دع عنك هذا الفضاء المفتوح المنفلت عبر الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا من يحكمه عقل رزين وفكر نير فيسهم في هذا الفضاء اللا محدود بفكر وثقافة ومعرفة أياً كان مجالها و(راديو الثقافة) مثال على هذا الاستثناء.
حقاً إن مثل هذه المشاريع والمبادرات تشعر المنتمي والعاشق للغتنا وتراثنا وثقافتنا العربية الأصيلة، وأحسب أن كل منتم انتماءً حقيقياً هو كذلك، تشعره بالفخر والحبور لعدة أسباب. أولاً لأن لغتنا تواجه جفاءً وحرباً بحسن أو سوء نيّة أو جهل من بعض أبنائها عدا عن الأجانب. وثانياً أن من بادر وأطلق هذه الإذاعة على موقع (تليغرام) هو من أبناء الجزيرة العربية والخليج الذين هم أولى بمثل هذه المبادرة والتي هي منبع هذه اللغة. وثالثاً كما قلت أنها شجاعة لأنها عاكست الاتجاه السائد إعلامياً بثقافة التسطيح والاستهلاك الممجوج واللحاق بكل جديد حتى لو كان تافهاً، تحية تبجيل لهذا الإعلامي ومبادرته وتحيا العربية.