عبدالعزيز السماري
تخرج من حين إلى آخر دعوات وتصريحات وتلميحات مباشرة وغير مباشرة تدعو لخفض القبول في الجامعات، وأجد صعوبة في فهم المغزى من تلك التصريحات، وكيف يكون التعليم الجامعي عبئاً على الدولة، بينما تُقاس حضارة الأمم بارتفاع نسب التعليم العالي، وتدني مستويات الأمية المعرفية بين الأجيال الجديدة.
خلال السنوات الأخيرة وصلت أعداد الجامعات إلى رقم مقبول عند مقارنتها بدول مجاورة أقل سكاناً وأضعف اقتصاداً، وتتسابق دول العالم الثالث في بناء الجامعات لقبول الطلبة المتقدمين، مما يجعلني في حيرة من أمري، ويدفعني لرسم أكثر من علامة إستفهام حول هذه المطالب الغريبة، ولاسيما أننا نعاني من أمية مختلفة ومحيرة، وهي تلك الأحادية المفرطة في المعرفة.
نحن المجتمع الأكثر معاناة من أجيال الغوغاء والتطرف بسبب التعليم اللامنهجي في الغرف المظلمة، فالإرهاب والتطرف تغذيه قلة فرص التعليم المنهجي والمتخصص في الماضي، وتدفعه ندرة فرص العمل المتخصص، وهو ما يدفع مدارس التطرف على الهامش لفتح أبوابها لاستقطاب الشباب في مقتبل العمر، ثم تجنيدهم في طوابير العنف داخلياً أو خارجياً، وتزداد فرص انضمامهم إذا أُغلقت الأبواب أمامهم لإكمال تعليمهم العالي.
الحد الأدني للوعي في هذا العصر يتطلب على الأقل الحصول على تعليم جامعي متخصص وإكتساب مهارات في أحدى مجالات العمل، وإذا فشل النظام العام في توفير ذلك للجيل الجديد. سيتخلف عن الركب، ويكون عبئاً ثقيلاً على الدولة، بينما يؤدي الوعي الجامعي المتطور إلى أن نكون في مقدمة الركب، وأن نكون قادرين على الابتكار، وهذا هو بيت القصيد في معلقة الخروج من دوائر الفشل.
التعليم الجامعي في هذا العصر أقرب للشهادة الثانوية قبل عقود، والإنسان تبدأ حياته المهنية بعد الجامعه، وفي المستقبل سيتحول المؤهل الجامعي إلى شرط للحصول على أيّ وظيفة في المجتمع، ولهذا السبب سنكتشف في المستقبل القريب أن عدد الجامعات الحالية أقل من المطلوب.
أتساءل لماذا يربط البعض بين حق إكمال التعليم الجامعي للمواطن، وبين نقص كوادر فنيي السباكة والكهرباء والميكانيكا؟.. والتي من المفترض أن تتم معالجتها أولاً بدراسة الفشل الذريع للمؤسسة العامة للتدريب الفني خلال خمسة عقود، وببرنامج تحفيزي للراغبين في هذا المجال، وليس بالحد من القبول في الجامعات، وفي وجود الفرص تتحول عملية الفرز إلى شيء عفوي، يخرج منها من يريد التخصص في المهن الحرة، من يرغب في إكمال تعليمه العالي.
إكمال التعليم الجامعي حق لكل مواطن، بل أرى تشجيع المواطنين لإكمال تعليمهم الجامعي، ووضع الشهادة الجامعية شرطاً للدخول في بعض مجالات العمل الخاص والعام، وذلك لأن الإنسان المتعلم أفضل وأكثر تطوراً ووعياً، ولديه المقدرة على مواجهة تحدياته من الشخص المتدني مستوى التعليم.
الحصول على شهادة جامعية أو الحصول على شهادة في تخصص معين مثل الاستثمار في مخاطر منخفضة جداً، فالمال والوقت الذي يتم وضعه في الحصول على تخصص علمي أو مهني يمكن أن يضمن لإنتاج أرباح عالية للمواطن، وفي دراسة نُشرت في مجلة فوربز، أثبتت أن الجامعي أكثر دخلاً من الذين توقفوا عن إكمال تعليمهم الجامعي، وأنهم أقل بطالة.
ختاماً أقول لتلك الأصوات، توقفوا عن تبرير الفشل الذريع في مجالات تدريب كوادر العمل المهني في البلاد، فوجود فرص جديدة لإكمال الدراسة الجامعية للجيل الجديد، ليس له علاقة بفشل المؤسسة العامة، فقد كانوا المتسيدين للساحة لعقود، ولم نرَ تغييراً يُذكر في ساحة العمل، وأقول لهم أن المجتمع الأكثر تعليماً أكثر تحضراً وسلاماً، وأقل عنفاً وتطرفاً.. والله ولي التوفيق.