عبد الرحمن بن محمد السدحان
- يتواصل الجَدلُ هذه الأيام حول بعض خريجي الجامعات الذين يخطبُون ودَّ الوظيفة، فلا يجدون إليها وصلاً، ثم يقبلُ بعضُهم على بعض يلومون ويتلاومُون.
- فريقٌ منهم يلومُ نفسَه لأنه اختار تخصُّصاً لا جدوى منه ولا مستقبل له، وفريقٌ آخر يلومُ الجامعة لأنها لم ترشدْه إلى الصراط السويّ، قبل أن يبدأَ مشوارَ سنينهِ الأربع أو الخمس داخل أسوارها، املاً أن يخرج منها إلى (بلاط) الوظيفة!
- وآخرُون منهم يلومُون أُسرَهم أو رفاقهَم لأنّهم حرضوهم على أقتحَامِ مجَاهِل تخصُّصٍ لا مردودَ له وظيفياً.
* * *
- وهناك من يُسَاندُ موقفَ الخريج معاتباً الجهاتِ المعنيةَ بالقوى العاملة، لأنها لم تفصحْ بدءاً عن التوجهات التي يمكن أن يسلكَها الخريج، قبل فوات الأوان، ويأتي بعد ذلك صوت (الأكاديميا) يقول إن الجامعة ليست (معمل تفريخ) للوظائف بل (بوتقة) إبداع للحياة والأحياء.
* * *
- ومن عجب، أننا بقدر ما نسمع من ضروب العتَب تُساقُ باسم الخريج أو على لسانه، نُواجَه بضروب أخرى من (الاعتذار) لكل موقف من مواقف السابق ذكرها:
- فالجامعة تدفعُ عن نفسها اللومَ بالقول أنّ مسئوليتَها تقتصرُ على تقديم المادة العلمية للتخصُّص، وفقَ ضوابط أكاديميةٍ، شأنُها في ذلك شأنُ كل جامعات الدنيا، وتختار الراغبين في هذا التخصص أو ذاك وفق آلية تعينها على تحقيق الغاية: توجّهاً ومضموناً.
- والخريجُ يدافعُ عن موقفِه مستشهداً بالقولِ المأثور (لو علمت الغيبَ لا سْتكثَرت من الخير) لكن جهلَه بقواعد العرض والطلب في (سوق) العمل جعله يسْلكُ مساراً غير مرغوبٍ، ويتسَاءلُ عن الحكمةِ في حرمانه من الوظيفة في أي قطاع (ثمناً) لجهله.
* * *
- أما الأهلُ والأقربُون والرفاقُ فأنهم يدْفعُون عن أنفسهم تُهمةَ التغرير بالخريج وتحريضه على طرق باب هذا التخصص أو ذاك قائلين: ما عَلمِنا إلاّ ممَّا سمعنا، ولو علمنا خيراً من ذلك، ما حجْبنَا النُّصحَ له، وما نحن الاّ مجْتهدُون، نْبتِغي خيرَ الخريج وصلاحَه، حاضراً ومستقبلاً.
* * *
- تلك كانت بعضَ أطراف الجَدل القائم حول بعض الخرَّيجين الجامعيين الذين يُؤْرقهم البحثُ عن الوظيفة -أي وظيفة- فلا يُفْلِحُون، كثيرون يفضلونها (حكومية)، فإن عزّت أو تعذّرت، فالقطاع الخاص خيار آخر، وهناك من يعتبر وظيفة الأخير مؤَقّتة حتى تتهيأ الأولى! فإن لم يفلحوا هنا أو هناك، لجأوُا إلى وسيلة (لإسقَاطِ) ينْثُرون من خلالها أشواك العتبَ والشكوى، مرةً للأهل، وأخرى للجامعة وثالثة للرفاق، وقليلون منهم الذين (يؤثرون) أنفسَهم، باللوم أو العتب.
* * *
وبعد..
- فإن الحقيقةُ التي لا مفرَّ منها هي أن للخريج بعضاً من حق، فيما زعم، (وعليه) مثل ذلك من الحق فيما قيل عنه:
أ) فقد كان بإمكانه ممارسة حرية (السؤال) عن هذا التخصص أو ذاك لدى من يملكُ جواباً، لكنه لم يفعل ذلك، واكتفى بما انتهى إليه هو، انطباعاً لا قناعة.
ب) وقد كان على الأهل والرفاق أن يرشدُوه بمنحه حرية السؤال والبحث، لا تمرير قنَاعاتهم التي لا تقُومُ إلاّ على شيءٍ من الظنَّ الذي لا يغني شيئاً.
ج) وقد كان على الجامعة ان تَطرحَ له المشورةَ ولا تلزمُه بها، حول هذا التخصص أو ذاك، فأن أبَى وأصرّ على سلوك دربٍ بعينِه، فمسؤوليتُه هو، لا وزرَ لغيرِه فيه، أهلاً ولا جامعة ولا خِلاًّ! (انتهت مقتطفات المقال القديم)
- يبقى أخيراً السؤال الأهمُّ والأعمُّ، هل التعليم الجامعي للوظيفة.. أم الحياة؟.