نجيب الخنيزي
أقر مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية التي عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، في قصر اليمامة بمدينة الرياض يوم الخميس 22 ديسمبر من الشهر الجاري، الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1438- 1439 هـ، وقد أكَّد الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته التوجيهية بهذه المناسبة على «إن اقتصادنا - بفضل الله- متين، ويملك القوة الكافية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الحالية، ونحن عاقدو العزم على تعزيز مقومات اقتصادنا الوطني، حيث تبنينا «رؤية المملكة 2030» وبرامجها التنفيذية وفق رؤية إصلاحية شاملة من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة - بإذن الله تعالى- على مواجهة التحديات، وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي، أن رؤيتنا ليست فقط مجموعة من الطموحات، بل هي برامج تنفيذية لنتمكن - بحول الله- من تحقيق أولوياتنا الوطنية وإتاحة الفرص للجميع من خلال تقوية وتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وبناء منظومة قادرة على الإنجاز، ورفع وتيرة التنسيق والتكامل بين الأجهزة الحكومية كافة، ومواصلة الانضباط المالي، وتعزيز الشفافية والنزاهة.
هذا وقد أصدرت وزارة المالية بيانًا بمناسبة صدور الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 1438 - 1439هـ، تشير فيه إلى التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية التي من أبرزها
على صعيد الاقتصاد المحلي أشار البيان إلى أنه من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام 1437 - 1438هـ (2016م) بالأسعار الثابتة (2010 = 100) (2.581) مليار ريال وفقًا لتقديرات الهيئة العامة للإحصاء، بارتفاع بنسبة (1.40 في المائة )، وأن ينمو القطاع النفطي بنسبة (3.37 في المائة )، والقطاع الحكومي بنسبة (0.51 في المائة ) والقطاع الخاص بنسبة (0.11 في المائة)..
ولارتباط اقتصاد المملكة القوي بالنفط، أدى انخفاض أسعار النفط خلال العامين الماضيين إلى حدوث عجز كبير في الميزانية الحكومية، وأثر سلبًا في تصنيف المملكة.
على صعيد ميزانية 2017 يتوقع أن يرتفع إجمالي الإيرادات للسنة المالية القادمة ليبلغ (692) مليار ريال (أي بنسبة 31 في المائة ) مقارنة بما يتوقع تحقيقه هذا العام. وقد قدرت الإيرادات النفطية بـ(480) مليار ريال بزيادة عن العام الحالي 2016م بنسبة (46 في المائة )، في حين قُدرت الإيرادات غير النفطية بـ(212) مليار ريال بارتفاع 6.5 في المائة عن العام الحالي. وقد تضمن البيان بنود الصرف في ميزانية 2017 حيث بلغ ما تم تخصيصه لقطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة نحو (200) مليار ريال. في حين بلغ ما تم تخصيصه لقطاع الصحة والتنمية الاجتماعية نحو (120) مليار ريال. في حين بلغ ما تم تخصيصه للقطاع العسكري نحو (191) مليار ريال، ولقطاع الأمن والمناطق الإدارية نحو (97) مليار ريال.
لا شك أن اقتصادنا الوطني والعملية التنموية في بلادنا تواجه تحديات غير مسبوقة في ظل استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي طالت الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، إلى جانب تذبذب وانخفاض أسعار البترول لأسباب مختلفة من بينها زيادة العرض على الطلب، ناهيك عن مفاعيل انعكاس الاضطرابات والتداعيات الأمنية الخطيرة التي تسود العالم بوجه عام والمحيطين العربي والإقليمي بوجه خاص. لا يمكن إغفال المجزات الكبيرة التي تحققت في بلادنا، غير أن هناك كثيرًا من القضايا والتحديات، التي لم تستطع خطط التنمية المتتالية تحقيقها ومنها تخفيف الاعتماد على النفط، وتنويع القاعدة الإنتاجية، وتحقيق التوازن الاقتصادي، وخلق البيئة المواتية لرفع معدلات الاستثمار (المحلي والأجنبي) الخاص، وإيجاد الحلول العملية لمشكلات البطالة والفقر والدين العام، وتراجع مستوى ونوعية الخدمات (تعليم، صحة، إسكان) الأساسية.
كل ذلك يتطلب سرعة العمل على إعادة هيكلة تنظيمية وإدارية، وتقييم وتقويم مجمل الأداء الاقتصادي، وبما يحقق الكفاءة والتوازن والتنسيق المطلوب، لمختلف المرافق والوزارات المعنية بالعملية الاقتصادية، والتنمية المتوازنة، وتنويع مصادر الدخل، ووقف الهدر غير المبرر، من خلال ترشيد الإنفاق، وتوجيهه للاستثمار العقلاني، والعمل على تكوين صندوق خاص لا يمس، لاستثمار الفوائض المالية لصالح الأجيال القادمة، إلى جانب تطوير وتفعيل المراقبة والمساءلة والمحاسبة لمكافحة الفساد، والتسيب الإداري، والوظيفي، والمالي.
هذه القضايا الملحة وغيرها التي تطرقت رؤية المملكة عام 2030 لها تتطلب إيجاد الحلول العلمية والعملية الناجعة لها.
لا شك أن هدف التنمية والعملية الاقتصادية برمتها (كما تؤكد على ذلك خطط التنمية المتتالية) محورها، وأداتها، وهدفها المواطن، والمجتمع في المقام الأول، وهذا يعني أنه لا يمكن فصل التنمية الاقتصادية، عن أبعادها الاجتماعية والسياسية والإنسانية والحضارية الشاملة.