رقية سليمان الهويريني
مَن يحمّل التعليم تبعات البطالة فهو واهم؛ فالتعليم قيمة معرفية ذات أبعاد متعددة. وقد تعزى البطالة لعدم وجود مفهوم لمتطلبات سوق العمل واحتياجاته لدى بعض الناس، فضلاً عن الغموض في استراتيجية مخرجات التعليم الجامعي (كمًّا وكيفًا)، إضافة إلى غياب التخطيط السليم لاستيعاب مخرجاته.
والوطن بحاجة لجهود الجميع، بشرط تنظيم تلك الجهود. فمعادلة كثرة أعداد خريجي الجامعات مع تزايد معدلات البطالة ووفرة العمالة الوافدة تعني ببساطة غياب التخطيط، أو تشويشًا في النظرة المستقبلية عن مدى استيعاب سوق العمل لجميع الخريجين. ففي عام 2015م تم تخريج 55 ألف طالب و72 ألف طالبة، ولا يزال معظمهم عاطلين!!
وما يؤسف له ما تعارف عليه الناس بأن التعليم الجامعي لأجل الوظيفة، أو أن الحصول على الشهادة هو الهدف للحصول على عمل! بالرغم من أن هناك من يخالف هذا الاتفاق شبه العام؛ فيصر أن التعليم لرفع الجهل وحق للجميع. وهذه العبارة أيضًا ليست صحيحة على إطلاقها؛ فالتعليم العام حق للجميع، ولكن التعليم العالي مخصوص، ولا بد من الاهتمام بنوعية المدخلات للجامعة ممن تتوافر فيهم الإمكانيات المنسجمة مع التعليم الأكاديمي، بمعنى أن يقتصر القبول على ذوي الكفاءات من أصحاب المعدلات العليا الذين يمكن استقطابهم إما معلمين للأجيال القادمة أو أطباء على مستوى عالٍ من المهارة أو نابغين في العلوم التطبيقية كالفيزياء والرياضيات والكيمياء، أو حتى في التخصصات النظرية من إدارة وعلوم اجتماعية واقتصادية وقانون أو علوم شرعية أو لغات.. ويمكن استكمال تعليمهم للاستفادة منهم باحثين وعلماء، باعتبار أن الجامعات هي في الأصل مراكز أبحاث علمية للنخب!
أما الذين يرغبون في مواصلة تعليمهم العالي لأجل الحصول على الوظيفة فقط من ذوي المعدلات المتوسطة أو المتدنية أو محدودي الطموح العلمي فهؤلاء يتم توجيههم للكليات التقنية والتعليم الفني، ويتم اختيار الجادين منهم؛ حتى لا يتخرج إلا الماهر. أما من هم دون ذلك فيتم تأهيلهم مهنيًّا للانخراط في سوق العمل للوظائف التي لا تحتاج إلى مهارة.