الأمن الخليجي الشامل يظل دائماً الشاغل الأكبر والمركز الأهم لدائرة العمل المشترك؛ لأهميته في تأمين المسيرة الخليجية والحفاظ على قدرات ومكتسبات الإنسان الخليجي ومقوماته وميراثه التاريخي وطموحاته المستقبلية، خاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه العالم من حولنا كالسفينة التي تصارع الأمواج العاتية ويشهد معدلات أكبر للجريمة.
لذلك فإن الأمن يتسع مفهومه وأسسه وأساليبه وأهدافه، ليشمل صيانة إنساننا الخليجي على امتداد مساحاته الشاسعة وحمايته من كل المؤثرات السلبية الخارجية التي قد يتعرض لها. خاصة وأن الأمة مستهدفة في شبابها من الأعداء الذين يبحثون فيها عن موطئ قدَم للجريمة والعنف والمخدرات، ومن هنا تأتي أهمية التنسيق الخليجي في المجال الأمني بصفة هذه الأهداف والأسس كانت محل الاهتمام الأكبر في اجتماعات الدورة الخامسة والثلاثين لأصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي انعقد مؤخراً وذلك في فندق الريتز كارلتون بمدينة الرياض في المملكة العربية السعودية، وعبَّر عنها خير تعبير صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية - حفظه الله -، حيث أكد سموه خلال اجتماعات الدورة أن التعاون الأمني الخليجي.. هو إدراك عميق لوحدة المصير وخطورة التقصير.
تحصين أمن الأمة
وإذا كانت هذه هي الأهداف القريبة والبعيدة والمستمرة من قمة القرار الأمني الخليجي كأحد مؤسسات مجلس التعاون الخليجي، فإنَّ النهج العملي يتمثل دائماً في الرؤية المشتركة والتنسيق المستمر بين الجهات المعنية في الأسرة الخليجية الكبيرة.
وهذا النهج عبّر عنه سمو الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز بشكل محدد نقف عنده جيّداً، حيث أوضح سموه أن جدول أعمال تلك الدورة حفل بموضوعات تعكس في الحقيقة الحرص والاهتمام المشترك على تحصين أمن أمتنا الخليجية، وزيادة قوة صلابتها أمام متغيرات هذا العصر وظواهره المتفجرة.. وفي مقدمة تلك الظواهر الانحرافات الفكرية والنزاعات الطائفية والظواهر الإرهابية.
إنّ تحقيق مظلة واقية تحمي مجتمعاتنا الخليجية.. أمر يتطلب بالفعل المواصلة في دعم وتنمية التعاون المشترك في كافة الميادين الأمنية، وهذا ما ظهر جليّاً في اجتماعات أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وشكّل محور اهتماماتهم، وفي هذا الصدد يأتي تأكيد سمو ولي العهد وزير الداخلية على هذه الأسس والأهداف الاستراتيجية ليتمكن ـ كما قال سموه ـ من أنْ « تعمل أجهزتنا الأمنية وفق رؤية أمنية شاملة وبمنهجية احترافية عالية تستبق الفعل الإجرامي قبل وقوعه وتتعامل مع الموقف بما يردع المعتدي ويحول دون تكرار تجاوزه بأي حال من الأحوال وبما يحقق فاعلية الردع وقناعة الارتداع، يساندها في أداء رسالتها وعي وطني نعتز به ونعمل على استمراره واتساع نطاقه بين أفراد مجتمعاتنا ومختلف مؤسساتنا وهيئاتنا المعنية «.
والأهم في ذلك ـ كما أكّد سموه ـ مسترشدين في ذلك بتطلعات تستلهم على الدوام احتياجات ومتطلبات شعوبنا والمحافظة على أمنها واستقرارها، وتهيئة المناخ الأمني الأساس في نجاح مسيرة التنمية واستقرار الشعوب.
ولعل تواصل العالم اليوم وتشابك مصالحه يجعل من مهمة تحقيق الأمن أمرا في غاية الأهمية والمسؤولية.. لما يشهده من تزايد في معدلات الجريمة، وظاهرة انتشار الانحرافات الفكرية والنزاعات الطائفية والظواهر الإرهابية في العديد من دوله، ومن هنا تشكِّل هذه الظواهر أخطاراً على الإنسان الخليجي إذا ظلَّ في دائرة التأثر بدون أمن أو حماية أو وعي.
وهذه الصورة الواقعية للجريمة ـ للأسف الشديد ـ التي يعيشها العالم في معظم أنحائه تظل هي المؤشر الحقيقي ـ في وجودها أو انعدامها ـ لمدى فاعلية الأمن ومفهومه وأهدافه وأساليبه.. ولعلنا نقترب أكثر لفهم أخطار هذه الظواهر التي تجتاح العالم.. باقترابنا من فهم الرؤية الواضحة والواعية لقمة صناعة القرار الأمني ممثلة في اجتماع أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث نقل سمو الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية - حفظه الله - في بدء الاجتماع تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه - وتطلّع مقامه الكريم إلى أنْ يُسهم الاجتماع المبارك الخامس والثلاثين في تعزيز جهود دول الخليج العربية الأمنية وتوسيع نطاق تعاونها المشترك، من أجل المحافظة على أمنها، واستقرار شعوبها وتطورها.
يقول سموّه في هذا الصدد: « لقد شهدنا بالأمس القريب وعلى أرض مملكة البحرين الشقيقة التمرين الخليجي المشترك (أمن الخليج العربي1) الذي يعد بحق أنموذجاً مشرفاً وتطبيقاً عملياً لما وصل إليه تعاوننا الأمني المشترك وإدراكاً عميقاً لوحدة المصير وخطورة التهاون أو التقصير. أيها الأخوة.. إن أمننا الخليجي، وعمقنا الإستراتيجي، وثقلنا الاقتصادي، ومرتكزنا العقدي محاط بمهددات أمنية عديدة في ظل ما يشهده عالمنا اليوم من متغيرات وانحرافات فكرية ونزاعات طائفية وظواهر إرهابية تقف وراءها دول ومنظمات وتنظيمات نُدرك غاياتها وتوجهاتها وقادرون بحول الله وقدرته على درء مخاطرها والمحافظة على أمن دولنا وشعوبنا «.
عقد أمني جديد
وهكذا يظل الأمن الخليجي أحد أهم المتطلبات والركائز لتحقيق المظلة الأمنية الشاملة والواقعية ضد أي مدّ أو محاولات غزو من صانعي الجريمة ومروّجيها في الخارج.. ويظل التلاحم والتكاتف الخليجي في هذا المجال والتنسيق المستمر بين الأجهزة المعنية فيما بين الدول الخليجية أهم أسس النجاح، وأيضاً الأسلوب العلمي والتحديث في البرامج وتنشيط الدورات التدريبية وتنظيم الندوات العلمية والمحاضرات ودعم الدراسات والبحوث المتخصصة في هذه المجالات. وهذا ما ألمح إليه الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني في كلمته وقت ذاك: « إن الأمن الخليجي كل لا يتجزأ وأن التعاون المشترك ركن أساسي في الحفاظ على أمن دول المجلس وسلامتها والحفاظ على استقرارها وأن دول مجلس التعاون سوف تواجه أي تهديد بكل جدية والتزام ولن تتردد في حماية أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها والمقيمين فيها والمحافظة على منجزاتها ومكتسباتها «.
لقد أكّد سمو ولي العهد وزير الداخلية ـ رعاه الله ـ على تحقيق الأهداف الخليجية العليا بحماية الإنسان الخليجي فِكْراً ودوراً ورسالة ومسيرة من أجل حاضر آمِن وغدٍ أكثر إشراقاً واستقراراً يقوم على الإنجازات الأمنية القائمة والخطط الواعية القائمة. فقال في ختام الاجتماع: « أيها الأخوة.. إنه مهما كانت قوة وخطورة من يحاول أن يعتدي على أمننا واستقرارنا فإنها تصغر، أمام صلابة موقفنا وقسوة ردنا مستمدين العون والتوفيق في مواجهة مخاطر تلك الأعمال الإجرامية والمخططات العدوانية من الله وحده ثم بقدرة وكفاءة أجهزتنا الأمنية وتماسك وحدتنا الوطنية، وصلابة أمننا الفكري وعمق تجربتنا في مواجهة التحديات».
وختاماً: حفظ الله أمن الخليج من كيد الكائدين والعملاء والمتلوّنين، وأدام عليه نعمه وخيراته. إنه سميع مجيب.
- مدير العلاقات العامة والإعلام بتعليم وادي الدواسر