خالد بن حمد المالك
الجميع استمع إليهم، إلى ما قالوه عن الميزانية، وإلى ما تحدثوا به عن أي موضوع ذي صلة مباشرة أو غير مباشرة سُئلوا عنه، مع إصغاء لما أجابوا به عما كان يُثار من أسئلة حول المستقبل في ظل انكماش الاقتصاد في العالم وتقلباته، وانخفاض أسعار النفط.
* *
كانوا جميعًا مهيَّئين لكشف الأوراق، وتجنُّب الغموض في كل ما قالوه، وتوثيقه بالمعلومة والرقم، والالتزام بما لا مجال لأي تأويل أو استنتاج يكون خارج إطار الحقيقة التي نبحث عنها، في ظل كلام كثير، وجد مروجوه مناخًا ملائمًا لخلط الأوراق بعيدًا عن الواقع.
* *
أقصد بهؤلاء تلك القيادات المميزة التي أطلت على الناس، وتحدثت لهم بوضوح عن أبعاد وآفاق المستقبل مع صدور ميزانية شفافة، ظهرت في عناق جميل مع رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 المنبثق من الرؤية، في سابقة لم نرَ مثلها من قبل، بما يعطي مؤشرًا على أننا أمام مستقبل لا يكتنفه الغموض.
* *
تحدث وزير المالية ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية ووزير التجارة والاستثمار ونائب وزير الاقتصاد الأمين العام للجنة المالية بالديوان الملكي ونائب وزير العمل والتنمية الاجتماعية بثقة، وواجهوا الناس مباشرة من خلال البث المباشر عبر القنوات الفضائية، وكانوا جميعًا - كما رأيناهم واستمعنا إليهم - من القدرة والتمكُّن والحضور الذهني والمعلوماتي بما لا يمكن لأي منا إلا أن يعبِّر عن اعتزازه بأن مثل هؤلاء يقودون الآن - وبكفاءة عالية مع آخرين من زملائهم - قطاعات مهمة في الدولة.
* *
كانت اللغة التي تحدث بها أصحاب المعالي خالد الفالح وماجد القصبي ومحمد الجدعان ومحمد التويجري وأحمد الحميدان - دون استثناء أيٍّ منهم - مثيرة للانتباه؛ فقد كشفت عن مخزون فكري وعلمي، وقدرة بلاغية يتمتع بها هؤلاء، وأن ما أفصحوا عنه كان منسجمًا ومتوافقًا مع ما كان ينتظره الناس؛ إذ إن عمليات التصحيح الصعبة لمسارات اقتصادنا تتطلب الشفافية والصراحة والوضوح، وهو ما كان فحوى اللقاء الإعلامي المفتوح معهم.
* *
يهمني في هذه السطور أن أشير إلى ما تتمتع به المملكة من كفاءات وخبرات أخرى وكثيرة على مستوى من الخبرة التخصص. وهؤلاء الخمسة ليسوا سوى نماذج مشرفة لآلاف من المواطنين الذين هم في مواقع المسؤولية بدرجات متفاوتة، ومجالات مختلفة، لكنهم أيضًا - ومن المواقع الأخرى - شركاء فاعلون في خدمة الوطن، وإنجاز كل ما تحقق.
* *
هذه رسالة لمن يعتقد أن المملكة بلا كفاءات، أو أنها فقيرة في كثير من التخصصات، وردٌّ على من يقول إن السعوديين يحتاجون إلى مزيد من الخبرة كي يتحملوا مثل هذه المسؤوليات، وهي أيضًا تذكير من مواطن محب بأن المملكة مثلما وهبها الله أن تكون قِبلة للمسلمين، وخصها بوجود الحرمين الشريفين، وبهذا الكم الهائل من الثروة النفطية، فهي أيضًا محظوظة بوجود رجال ونساء يشرفون المناصب التي توكل لهم؛ بدليل انطباعنا عن أصحاب المعالي الخمسة الذين استمتعنا بأحاديثهم عن الميزانية، وعن المستقبل الموعودة به بلادنا.
* *
حُسن اختيار القيادات في هذه المرحلة الصعبة مهم لتحقيق أهداف الرؤية وبرنامج التحول الوطني، وما سيلي ذلك من برامج جديدة، هي الآن في الطريق. والنجاح بدون قيادات ذات كفاءات عالية سيكون محدودًا، والوصول إلى الأهداف بحسب ما هو مرسوم لها مشروط تحقيقه بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وهذا ما رأيناه في القيادات الخمسة، وكنا رأينا مثلها من قبل.
* *
لقد تخلينا - أخيرًا - عن المسلَّمات الكثيرة التي كبَّلت اقتصادنا، وهمّشت الكثير من الأفكار التي كان ينبغي أن ترى النور، وآن لنا مع هذا الانفتاح والتجديد والابتكار أن نتمسك بما هو جديد، وأن نفعله، وأن يكون عملنا المستجد خريطة طريقنا نحو مستقبل أفضل.
* *
وتأكيداً لذلك، فقد فنَّد ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ما يُقال من أن الخطوات التصحيحية لمسار الاقتصاد في البلاد هي صناعة أجنبية، وأكد خلال لقائه بنا أن الرؤية وبرنامج التحول الوطني المنبثق عنها وُلدا من فكر سعودي، وتم العمل عليهما فترة طويلة، وأنه لحسن الحظ أن جميع الجلسات والمناقشات موثقة بالتسجيل صوتًا وصورة. وهذا يؤكد - كما قال الملك سلمان - أن الاستثمار في المواطن السعودي تعليمًا وتدريبًا وخبرة قد أعطى نتائجه.
* *
أخلص بعد كل هذا إلى أننا أمام مرحلة دقيقة ومهمة ومفصلية، وأن علينا أن نضع أيدينا بأيدي مثل هذه القيادات وغيرها، ونتعاون معها؛ لنتجاوز التقلبات الاقتصادية في العالم، بما لا يؤثر على وضعنا الاقتصادي، وأن نتحمل كل العمليات الجراحية (الاقتصادية) لإعادة العافية إلى اقتصادنا الذي هو إلى اليوم في وضع جيد ومطمئن، كما شخَّصه ووصفه وأكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.