فهد بن جليد
عندما رشح لي الزملاء في البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، مُتعايشاً مع المرض أحاوره حول قصة إصابته؟ وكيف يعيش بيننا في المجتمع السعودي؟ انتابني شعور بأنني سأواجه شخصاً تبدو عليه العلامات المُخيفة التي أقرأ عنها دائماً، حتى أنّ بعض الزملاء المصورين والفنيين في الأستوديو ظهرت عليهم ملامح الحرج وكيف سيتم التعامل مع مثل هذا الضيف؟ وهنا أيقنت أنّ مرد ذلك (لثقافتنا التطنيشية) لهذا الموضوع المُخيف، والذي لا يُحب أحد الحديث حوله، أو حتى معرفة المزيد عنه، وكأننا غير معنيين بالأمر؟!.
ولكنني تفاجأت بأنّ ضيفي شخص عادي، ملامحه طبيعية، ومعنوياته مُرتفعة، لديه أمل في غدٍ أفضل، لا تبدو عليه أي أعراض أو دلالات إصابة، صافحته يداً بيد - حتى يزول الهلع من الجميع - وعرفت أنه رجل أربعيني، متزوج، وموظف، يعيش حياته بشكل طبيعي، اكتشف إصابته عن طريق الصدفة أثناء (تحليل الزواج)، ولا أحد يعلم من أهله أو زملائه في العمل - حتى الآن - أنه مُصاب، فقط زوجته هي الوحيدة التي تعلم بالأمر، وهو يتلقى العلاج بشكل سري، ومرد ذلك لخوفه من ردة فعل المجتمع العنيفة (فالناس لا ترحم)، وهذا يبدو واضحاً من تجارب آخرين اكتشف من حولهم أنهم مُتعايشون مع الإيدز، فتحولت حياتهم لجحيم، وباتت معركتهم الأولى ليست مع المرض؟ بل مع المحيطين بهم للحصول على (صك البراءة) من تُهم الخطايا والجنس التي تلوكها الألسن وتُطلقها العيون، مُتناسين تنوع طرق الإصابة كما ذكرنا بالأمس، وأنّ الله غفور رحيم..!.
الرجل كانا شُجاعاً وهو يتحدث، وقد قرر مواجهة المجتمع بشرط تغطية وجهه وتغيير نبرات صوته، يقول إنه يتواصل مع (سعوديين آخرين) مُصابين بالإيدز مثله، يحاولون أن يبحثوا عن بعض حقوقهم المُهدرة اجتماعياً، يتناقشون يتعاضدون يتبادلون التجارب حتى يقفوا إلى جانب بعضهم البعض، رغم أنّ المسألة مؤلمة إلاّ أنّ الأمل والإصرار أعجباني ..
لا أحد يلوم هؤلاء، فالخوف من نظرة المجتمع و (لعنة المرض) وشكوكه، التي قد تُطارد وتطال (أُسرة بأكملها) فقط لوجود مُتعايش فيها، تجعلنا نتأخر أكثر في هذه المعركة ..!.
غداً نكمل الحلقة الأخيرة, وكيف يمكن الفحص بسرية ودون خوف وبدء رحلة العلاج الآمنة؟!.
وعلى دروب الخير نلتقي.