«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
جاءت بشائر الخير مع الإعلان عن موازنة العام الجديد (2017)، وهي الموازنة التي تجيء مع التوقعات الإيجابية لصندوق النقد الدولي عن الأسعار العالمية للنفط، وكذلك التفاؤل المتسع حول الطلب العالمي على النفط.. حيث تشير التوقعات إلى تبني الصندوق لسياسة رفع توقعاته لأسعار النفط في 2017 إلى 50.3 دولار للبرميل، بعد أن كانت تنحصر في مستوى 42-43 دولاراً للبرميل من أسابيع قليلة.. ويتزامن رفع الصندوق لتوقعاته عن أسعار النفط مع توقعات بارتفاع الطلب العالمي على النفط، فدائماً ما يجيء المتشائمون بأن كل زيادة في المعروض تتسبب على المدى القصير في تراجع الأسعار العالمية، ولكن هذه المرة يطلق الصندوق توقعات إيجابية حول التنبؤ بزيادة الطلب على النفط بنحو 1.1%.
وعليه، فإن موازنة العام الجديد 2017م جاءت تتبنى سياسة «استعادة التوسع» بعد عام من ترشيد الإنفاق، والتي تزامنت مع عجز واضح في موازنة عام 2016م.. وينبغي أن نتذكر أن الاقتصاد الوطني هو اقتصاد قائم على التوسع المستمر، وأي انحصار في مستوى التوسع يُعتبر سلبياً، وذلك رغم أن كل الاقتصاديات تتطلب فترات للتكمُّش، على الأقل للتخلص من الفجوات التضخمية التي يكوّنها التوسع المتتالي.. ويُعزى هذا الافتراض إلى اعتياد الاقتصاد الوطني على عمليات التوسع، واعتبارها الواقع الافتراضي للنشاط الاقتصادي، ولعل أفضل ما تم إنجازه خلال الفترة (2015-2016) هو كسر فرضية قيام النشاط على التوسع في المصروفات إلى فرضية جديدة وهي قدرة الاقتصاد الوطني على التكيف مع أي أوضاع طارئة ترتبط بالإيرادات النفطية، ولعل ذلك يجيء في ظل حالة النضوج المؤسسي لتوزيع الإيرادات الحكومية ما بين إيرادات نفطية وغير نفطية، وبدء مرحلة جديدة تستقر فيها الإيرادات غير النفطية بعيداً عن أي تغييرات معاكسة في الإيرادات النفطية.
لذلك، فإن موازنة 2017 تعتبر استمراراً للنهج التوسعي الذي هو نهج متتالٍ ومتواصل للفترة (2009-2014م).. ورغم أن التوسع المقدّر في عام 2017م ليس بالمعدلات الكبيرة، لكنه يأتي في سياق سياسة التحفظ والاتزان التي تتبناها الحكومة السعودية بعدم التفاؤل الكبير بشأن الأسعار العالمية للنفط، وبالتالي تقديراتها لمستوى إيراداتها النفطية المقدرة..
وتتوقع وحدة أبحاث الجزيرة أن تكون الأرقام الفعلية لعام 2017م أفضل كثيراً من الأرقام المقدرة في بيان وزارة المالية الحالي.. ونستدل بذلك على التحسن الكبير الذي حققته الميزانية الفعلية لعام 2016م عن الأرقام المقدرة في بداية 2016 أو في موازنتها في ديسمبر الماضي.
ومن المتوقع أن تجني المملكة ثمار سياسة ترشيد الإنفاق التي تبنتها في ظل رؤية2030 أو في سياق برنامج التحول 2020، فسياسة الترشيد أفرزت تحسناً كبيراً في مستوى العجز الفعلي في الميزانية الفعلية لعام 2016م والتي لم تتجاوز 297 مليار ريال، مقارنة بالعجز المتوقع في موازنة 2016 والبالغ حوالي 326 مليار ريال، أي أن العجز الفعلي تراجع عن مستواه المقدر بنحو 29 مليار ريال، بما يعطي مؤشرات على السيطرة التامة على المصروفات الحكومية، بل وتحقيق فائض في الأرقام الفعلية عن المقدرة.
استعادة الزخم التوسعي في المصروفات الحكومية
دائماً ما يفسر الاقتصاديون زيادة المصروفات الحكومية في قطاعات معينة بأنها نهج توسعي، وخاصة عندما تصب هذه المصروفات في قطاعات محركة للسوق مثل المقاولات والبناء والتشييد والتشغيل والصيانة.. موازنة 2017 بها عودة لأرقام عهد 2014 وما قبلها من حيث التخطيط لضخ المزيد من المصروفات في قطاعات اقتصادية محركة للنشاط الاقتصادي ككل، والتي على رأسها الخدمات البلدية والتي زادت مخصصاتها بنسبة 37.1% في 2017م عنها في 2016م، وكذلك قطاع البنية الأساسية والنقل والتي زادت مخصصاتها بنسبة 67.7% في 2017م عنها في 2016م، وكذلك قطاع الموارد الاقتصادية والتي زادت مخصصاتها بنسبة 27% في 2017 عنها في 2016م .. وجدير بالذكر أن الإنفاق على التعليم والصحة يعتبر إلى حد كبير لم يطرأ عليه تغيير حيث استقر الأول عند مستوى إنفاق 200 مليار ريال، واستقرت الصحة عند مستوى 120 مليار ريال، وهي تدور حول فلك مستوياتها السابقة.
وفي ضوء أرقام موازنة 2017 من المتوقع أن يحرز الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة لا تقل عن 3% في 2017م، بعد استقرار معدل النمو بالأسعار الثابتة في 2016 عند 1.4%.. وينبغي الذكر أن النمو بمعدل 1.4% في ظل سياسة الترشيد للإنفاق التي تم تبنيها في 2015-2016م يعتبر إنجازاً حقيقياً، لأن مثل هذه السياسات التكمشية دائماً ما تفرض معدل نمو صفرية أو ربما سالبة أحياناً.