جاسر عبدالعزيز الجاسر
أعلنت الموازنة العامة للدولة التي جاءت متوافقة تماماً مع ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية تفرض مزيداً من الانضباط والترشيد والتخطيط السلم للحفاظ على ما تحقق من مكتسبات، والمملكة التي استغلت بحكمة إيرادات بيع النفط على مدى سنوات طويلة، وكانت تعتمد عليه وبنسبة تكاد تكون مطلقة، وحققت جراء استثمارها الجيد بنية اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية، يجعلها الآن مؤهلة تماماً للتعامل مع المتغيرات التي يشهدها العالم أجمع، فالدول الغنية والفقيرة والمتفوقة اقتصادية والنامية تعاني جميعاً من تراجع معدلات النمو نتيجة ضعف إيراداتها، ولهذا فقد استعدت جميع الدول وواجهت المتغيرات وانتهجت إجراءات اعتمدت على الترشيد وضبط النفقات وإشراك مواطنيها فكثير من الدول وبالذات الدول المنتجة للبترول وهو ما ينطبق على دول الخليج العربية كانت دول ريعية تصرف معظم ما تحصل عليه من إيرادات النفط على بناء قاعدة تنموية والخدمات الاجتماعية، دون إغفال بناء احتياط مالي لتحصين المستقبل الاقتصادي للبلاد وحماية مستقبل الأجيال القادمة، وفعلاً تمكنت قيادات المملكة من تحقيق هذه المعادلة التي عجزت عن تحقيقها الكثير من الدول التي حملت الأجيال أعباء كبيرة بتحميلهم ديوناً مرهقة جداً، والحمد لله أمكن بناء احتياطي جيد يجعل المملكة واحدة من أكثر الدول امتلاكاً للصناديق السيادية وأكثرها قدرة على استمرار المسيرة التنموية وعدم تحميل المواطنين تكاليف المتغيرات الاقتصادية مع الاهتمام بمستقبل الأجيال القادمة، وهكذا وعلى الرغم من انخفاض إيرادات البترول بمقدار النصف وأكثر، إلا أن ميزانية الدولة حفلت بزيادة مقدارها ستة بالمائة عن ميزانية العام الماضي، حيث ستصل بنود الإنفاق 890 مليار ريال التي ستحقق إضافات تنمية إذ ستحقق إجراءات الترشيد وضبط الإنفاق مما سيرسي قواعد لتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد منتج، والخروج من دائرة اقتصاد الدولة الرعوية إلى اقتصاد المشاركة من خلال شراكة القطاع الخاص وتحمل المواطنين جزءا من الأعباء من خلال تخفيض الدعم المقدم الذي دفع البعض إلى التوجه إلى الإسراف وتجاوز الحاجة الفعلية كما هو ملاحظ في استهلاك الطاقة والمياه وحتى الغذاء، وتهدف إجراءات الترشيد وضبط النفقات إلى تعويد المواطن على المشاركة في تحمل الأعباء وعدم الاعتماد كلياً على ما تقدمه الدولة من دعم يذهب بعضه إلى غير المستحقين وهو ما جعل المملكة وحدة من أكثر الدول استهلاكاً للوقود بسبب انخفاض التكلفة، وسوف يتم ترشيد الاستهلاك وضبط الإنفاق خاصة في بنود الدعم من خلال إيصال الدعم للفئات المستحقة من المواطنين بتوظيف التقنية وتفعيل التطبيقات الإلكترونية وبرمجتها لإيصال المساعدات والدعم لمن يستحقونها فعلاً من أصحاب الدخول المتدنية، وهو ما سيخلق توازناً مالياً ويوقف الهدر للكثير من الموارد.
والقارئ المتمعن لبنود الموازنة العامة للدولة لعام 2017 يرى أنها تؤسس لتنفيذ برنامج التحول الوطني 2020 والبدء الفعلي لتحقيق الرؤية السعودية 2030، وقد لمس المواطنون عند إعلان الموازنة الجديدة العديد من الصور الإيجابية منها الوضوح والشفافية وفائدة الإصلاح المالي، وبروز الإدارة الاقتصادية المنضبطة والالتزام بمبدأ المسالة والمحاسبة، وكل ذلك من أجل الوصول إلى اقتصاد مستدام أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على النفط وأكثر فعالية في الأداء مع استقرار أكثر وأقل تأثيراً بتقلبات سوف النفط.
ويستبشر السعوديون جميعاً أن تضيف الميزانية العامة إضافة إلى ما حملته بنودها من ترشيد وضوابط، بأن يتقلص العجز الذي لا يعد كبيرا؛ إذ احتساب 198 مليار ريال عجزاً في الميزانية ليس بالكثير، خاصة بعد أن تتحسن إيرادات النفط بعد اتفاق للأوبك حول خفض الإنتاج وارتفاع الأسعار إلى ما بين 50 و60 دولارا للبرميل، ما ستضيفه خطوات الترشيد والإصلاحات التي ستوقف الهدر المالي من قبل المستهلكين من المواطنين والمقيمين.