سعيد الدحية الزهراني
المآل الذي يتشكل عبر بروز الثقافة الشفاهية الإلكترونية اليوم بفعل الاتصالية الإلكترونية الجديدة.. هو مآل السلطة الشعبوية التي تتمثل أداتها الرئيسة في الشفاهية.. والشفاهية الإلكترونية تستعيد هذه السلطة وفق «بول زومتور» بعد أن فقدتها سابقًا بفعل انتشار سلطة الكتابة..
يقول غوستاف لوبون في كتابه الشهير سيكيولوجية الجماهير عن السلطة الشعبوية للجماهير: إن هناك روحًا للجماهير وهذه الروح مكونة من الانفعالات البدائية ومكرسة بواسطة العقائد القوية.. وكما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسي أو الطبيب فإن روح الجماهير تخضع لتحريضات أحد المحركين أو القادة..
ويخلص لبون إلى نمطين مهمين في صناعة روح الجماهير والتأثير عليها: الأول يستخدم المفهومية ويعتمد على قوانين العقل والمنطق «الثقافة الكتابية».. والثاني يستخدم المجازية أو الصورية ويعتمد قوانين الذاكرة والخيال والتحريض والخطاب العنصري «الثقافة الشفاهية».. وهنا تحدث أخطاء القادة عند استخدام أحد النمطين في بيئة الآخر..
هذا التحليل يفسر نتائج سباق الرئاسة الأمريكية الأخير.. وكيف اعتمد ترامب النمط الثاني في مخاطبة الجماهير الإلكترونية معتمدًا على خطاب الشفاهية الإلكترونية.. بعد أن استوعب شكل الثقافة الجديد الذي أفرزته البيئة الاتصالية الإلكترونية..
.. السؤال الآن عن المآل.. حين تقود الجماهير ويسود الوهم ويرمز النجم.. كأن الإجابة تأتي مصدقة لنبوءة عالم المستقبليات الفرنسي الشهير: بول فيريليو.. حول رؤيته التي عبر عنه بـ (الحادث) في مجرى حديثه عن تحولات الحالة الإنسانية العامة المرتبطة بتكنولوجيا الاتصال الحديثة.. محذرًا من حادث ما يزال كامنًا في الزمن الواقعي ـ وفق تعبيره ـ.
يقول فيريليو: إن التكنولوجيات الجديدة لشبكة الاتصال سواء تعلق الأمر بإنترنت أو بأخرى غيرها.. تحمل في طياتها الحادث الخصوصي لكن لا يمكن التعرف على ذلك الحادث لعدم وجود قتلى ولأننا لا نرى سيارات محطمة أو أجسادًا ممزقة.. أن الكشف عن الحادث في أية تكنولوجيا يمكن من تطوير وتمدين التقنية.. أن التقنية هي أولاً الحادث.. ينبغي محاربة هذا الحادث.. لم أقل أبدًا أنه لا ينبغي تطوير عمل التقنية.. بل فقط ينبغي محاربة الحادث المرتبط بالتقنية لأنه إذا لم نحارب ضد التقنية فلن نكون أبدًا أناسًا أحرارًا.
اليوم يعيش إنسان العصر الحديث عصر الموجة الحضارية الرابعة المتمثلة في بيئة الاتصال الاجتماعي الإلكترونية التي باتت فيها التقنية امتدادًا لانفعالات الإنسان ومشاعره ووجدانه وروحه.. هذه اللحظة من عمر البشرية جديرة بالتوقف والتحليل والقراءة.. لحظة الوصول إلى تفجير نواة الذات الإنسانية العميقة واستنطاق انفعالها ونبضها لحظة بلحظة وبسرعة الومض.. هنا أظن أن البشرية تعيد إنتاج اللحظة التي تمكن الإنسان فيها من تفجير نواة الذرة معلنًا ولادة قنابل وأسلحة الدمار الشامل التي تتخصص في إهلاك الحرث والنسل والحياة..