نادية السالمي
«الحياة مليئة بأمور تجرح القلب» هذا ما قالته هيلاري كلينتون منذ سنين مضت تجاه جرح ما، وهذا هو الفهم لحقيقة الحياة، وهذا ما نعزي به أنفسنا فالأيام كما قيل دول، ويوم تبكي منه وآخر لا بد فيه أن تضحك.
والحقيقة التي لا يلحقها ريب هي أن الألم يربي ويصقل الإنسان ليكون أجمل مما كان، لكنه قد يحرقك لتتحول إلى إنسان مشوّه خصوصًا والألم يصرخ في الحجر والشجر من ألمك، فهو فوق احتمالك واحتمال الأرض وما عليها من مشاعر نابضة، ومصداقًا لهذا يقول: «تشي جيفارا» في درس إنساني صفق له فيما مضى من المستهزئين المستظلين بذريعة نفسي نفسي: «إذا فرضت على الإنسان ظروف غير إنسانية ولم يتمرّد سيفقد إنسانيته شيئًا فشيئًا»، وهذه هي مرحلة الأذى الذي سيطال العالم ويجرح سكونه لكن درس جيفارا هذا في دهاليز النسيان إلى حين استدعائه كحالة استثنائية تستدعى لتبرير تصرفات الغرب المحمومة بالغضب تجاهنا، ولا يمكن استخدامها للحد من مواجع العرب وخوفًا على إنسانيتهم من تشويه أو أذى.
نحن الذين نسمع بالظلم أو نشاهده عبر الشاشات نتوجع فكيف بمن يعيشه ويُمارس عليه؟!
المَشاهد التي كنا عليها شهودًا حبستنا في خندق ضيق من بكاء مرير نتجرعه، كلما راودتنا بالنجدة حلب، كلما صرخ مستغيث «ساعدوني» حتى الدماء التي سالت في أرض هذه المغدورة، - وهي الآن لا بد أن جفت وشربتها الأرض لتنبت ما الله به عليم - قيّدتنا بذاكرة مظلمة لا يُضاء فيها إلا بكاء الأطفال وصرخات الحرائر، وعجزنا.
لعل بني جلدتنا من الساخرين والمؤيدين لما تلقاه حلب من مواجع، والمحزونين في ذات الوقت على مواجع الغرب والمبهورين بحكمة الغرب يدركون ما قاله من فاقهم في الحس والشعور من الغرب، ويتراجعون عن انحدارهم، أو على الأقل يتوشحون بالخجل «هناك جرائم لا تتحمّل مسؤوليتها مباشرة أي لم تشارك فيها ولكن لا بد أن تتحمّل مسؤوليتها».
ويقفون عند حدود مسؤوليتهم فاحترام أحزان الآخرين رسالة مبطنة صادقة تقول فيها إنك: عاجز حتى عن الكلام لكن شعورك بمواجعهم لم يفارقك.
يعرف جيلنا الجملة المدونة في كل أبجديات انفعالاته «العرب أمة عاطفية» لكن لم يدر في خلد أحد منا أن هذه العاطفة ستستدرجهم لعاطفة عاصفة إنسانيتهم مقابل حب الكراسي ، وإحياء ثأر لا ناقة لهم فيه ولا جمل فضلًا عن قطرة دم واحدة!. إنما بدافع الالتزام الحزبي، والالتفاف المذهبي والاستثمار السياسي، تحت مظلة عجز طوّق الجامعة العربية، وصمت خيّم على منظمة التعاون الإسلامي فلا سفير يُستدعى ولا اجتماع يُستجدى!.
يبدو أن مرحلة الانحناء طويلة جدًا وكل منا هو الراعي الرسمي لها فتمسكوا بما استطعتم من قيم ومبادئ ولا تتخاذلوا تحت أي ذريعة، واستعينوا بالله فعدونا معرفته تقتصر على أوهام في رأسه رسمها ويريد تطبيقها على الواقع وتصديرها للعالم مهما كلفه الأمر.