قاسم حول
بمناسبة قرب انتهاء الترشيح لجوائز الأوسكار في «لوس أنجلس» في نهاية هذا الشهر ديسمبر، فإن البلدان العربية رشحت مجموعة من الأفلام التي تروج لها إعلامياً، أن يقال إن فيلم كذا قد رشح للأوسكار. وهذا الترشيح هو ترشيح إعلامي محض ولا يعني القبول لدخول عالم الأوسكار الأمريكي. مثل الترشيح كمثل جحا عندما أشاع زواجه من ابنة الأمير وعندما سألوه عن مدى تحقيق هذه الزيجة قال أنا وافقت وبقيت موافقة الأميرة ووالدها الأمير!
الأوسكار ليست جائزة مهرجان سينمائي. إنها حصيلة كل عام من المشاهدات السينمائية من قبل منتسبي «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة». وهي الجهة التي تمنح جائزة الأوسكار. تضم هذه الأكاديمية أكثر من ستة آلاف عضو متخصص في شتى مجالات أدوات التعبير والتقنية السينمائية. وينظّم حفل منح جوائز الأوسكار بعد الترشيحات التي يقدمها منتسبو وخريجو وأساتذة هذه الأكاديمية ويعقد في نهاية شهر فبراير من كل عام في حفل يتابع أخباره كل عشاق الفن السابع في العالم.
كلمة أوسكار للآن يختلف حتى أصحاب الشأن على تسميته بهذا الاسم، لكن بعضهم قال إن أمينة مكتبة أكاديمية الفنون والعلوم «مارغريت هاريك» عندما شاهدت التمثال أول مرة في العام 1928 وبعد أن اكتمل تصميمه ونحته، قالت «أنه يشبه عمي أوسكار» فسميت الجائزة بهذا الاسم. هذا التمثال الذي يشبه عم «مرغريت هاريك» يبلغ طوله أربعة وثلاثين سنتمتراً ووزنه ثلاثة كيلو غرامات وخمسة وثمانين غراماً مصنوع من مادة البريتانيوم الخليطة من القصدير والنحاس ومطلية بطبقة ذهبية. وهو يمثل شخصية فارس يمسك بمقبض السيف ومستند بوقفته عليه. ولكي يرشح الفيلم في هذا الحفل يجب أن يكون قد تم عرضه في صالات السينما في كاليفورنيا قبل عام» أي من الأول من يناير وحتى والحادي والثلاثين من ديسمبر»، وأن يكون حده الزمني الأدنى هو أربعين دقيقة، لكي يتنافس ضمن جائزة أوسكار الأفلام الطويلة، وأن يكون قياسه أما خمسة وثلاثين ملمتراً أو سبعين ملمتراً. ولا يحق للأفلام التي صورت بقياس ستة عشر ملمتراً من المشاركة في المسابقة. وتصدر نتائج ترشيحات الأوسكار في شهر فبراير من كل عام.
وحين يكون الفيلم أقل من أربعين دقيقة فإنه لا يصنف ضمن مستوى الأفلام الطويلة، بينما يصنف هذا الحجم الزمني أوربياً ضمن مستوى الأفلام المتوسطة الطول، ويعتبر أوربياً الفيلم الطويل هو الذي يتعدى زمنه الساعة.
مع تطور عملية توزيع الأوسكار، قرّرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، أن تختار فيلماً بالمواصفات المذكورة من غير الأفلام الأمريكية، وأن تتيح فرص الحصول على الأوسكار لفيلم حتى وإن كان ناطقاً بلغات غير إنكليزية ومنها اللغة العربية والأفلام المنتجة في عوالم لغتها.
بالتأكيد لا تغيب السياسة ولا تغيب الإيديولوجيا عن عالم الأوسكار، ولكنه يتم التعامل مع هاتين الصفتين بذكاء نادر، وهذه لعبة قد لا يدركها العرب في ترشيحهم لأفلام الأوسكار.. فلماذا لا يحظى الفيلم العربي بفرصة الأوسكار؟
معروف، وهو ليس سراً ولا اتهاماً، بل ربما شطارة، أن لليهود الحصة الكبرى سنوياً في الحصول على جوائز الأوسكار، ليس فقط لأنهم يهود، بل لأنهم ينتقون المبدعين من بين صفوفهم فيبدون كما لو كانوا كلهم مبدعون! وهنا تكمن لعبة الدولة العبرية. أنهم ينتقون المبدعين من الممثلين والمصورين وممثلي الأدوار الثانية ومهندسي الصوت وتقنيي المونتاج ومبدعي المؤثرات البصرية والصوتية ومؤلفي ومنفذي وعازفي الموسيقى التصويرية وحتى الكومبارس في الأفلام، تجد أغلبهم من اليهود، وهي قدرة يتميزون بها بسيطرتهم على المال والميديا والثقافة. فهم لا ينتقون الأغبياء وغير الموهوبين من بين أبناء عرقهم. فيما نحن لا نتقن اللعبة، وحتى مهرجاناتنا السينمائية هي تقليد غير موفق لمهرجاناتهم!
دعونا ننظر بموضوعية إلى هذه الثقافة الإنسانية الساحرة ثقافة السينما. نحن أخذنا هذه الثقافة من الغرب ولم نبدع اختراعها، فهي عملية ثقافية وهي تجارية في جانب وصناعية في جانب آخر. تخضع السينما حتى في كونها ثقافة إلى مفهوم الفن السابع أي أنها فن الفنون، وتنتمي إلى الاعتبارات التجارية في تسويقها ونشرها والاعتبارات الصناعية في تصنيعها وإتقانها تقنياً. والفيلم الذي لا تريد أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في تسليط الضوء عليه، يمكن أن تسقطه في خانة الضعف التقني، الذي لا يتناسب مع وهج جائزة الأوسكار في مستواها الفكري وأيضا الفني والجمالي. أفلامنا العربية لم تستوف شروط السينما في لغتها التعبيرية، فليس عندما كتاب سيناريو بالأساس تؤهل الفيلم العربي لفرصة الأوسكار. وليس بحوزتنا منتج يستطيع أن يبذخ على الفيلم لكي يرتاح المخرج وفريق عمله في وهج الاسترخاء والكتابة وعدم اللهاث وراء الأفلام السريعة الإنتاج، لكي يوفر بالكاد فرص العيش في الحياة الصعبة. لذلك فهو أي المخرج المنفذ للعملية الإبداعية محاصر بظروف العيش فتأتي العملية الإبداعية ثانوية بعد الخبز. ولقد قال المفكرون من الساسة الذين يحترمون الثقافة «أعطني ثقافة وخبزاً أعطك شعباً عظيما»
سوف لن يقترب العرب من «العم أوسكار» سوى عندما يتجاوزون أنظمة العشائر، والإيديولوجيا القسرية، ويبادر أثرياؤهم لتأسيس الثقافة وتأسيس صناديق الدعم وأن لا تذهب مخيلتهم إلى أضواء العملية الإعلامية ممثلة بالفضائيات التي تدغدغ مشاعرهم ورغباتهم، وأن يحسبوا للثقافة حساباً إستراتيجياً، وحساباً «مصرفيا» في تأسيس صناديق الدعم، حينها يفرض الفيلم العربي نفسه على أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة ويحصد الجوائز من مزرعة سينما العم أوسكار. إذا لم نعيد النظر في حساباتنا الإنتاجية والإبداعية، فإنني سوف نمني جحا بالاقتران بابنة الأمير ويشيع الأخبار عن هذه الزيجة بعد أن تمت موافقته منتظراً موافقة الأميرة ووالدها الأمير. فتظهر سنوياً ترشيحات الأفلام السينمائية العربية في الصحف والفضائيات العربية لجوائز العم «أوسكار»، ثم تسكت الصحافة والفضائيات بعد أن يتم نقل حفل الجوائز في الثامن والعشرين من شهر فبراير دون أن نرى عربياً واحداً يصعد المسرح منذ العام 1928 وحتى وقتنا الراهن!