فيصل أكرم
وفي مصرَ أدركتُ أنّي
أضعتُ الطريقَ إلى سيفْ
وأعني ابن أعطى
حين جاء إليها وحيداً شريداً
طفولته لم تؤهلْه أن يرتدي ثوبَ ضيفْ
قبلَ قبلِ الثلاثين عامْ
كان كلّ الزحامْ
عند نجمةِ صبحٍ
أو فيلم سينما
أو مسرحيةِ عادلْ إمامْ
آهِ يا مصرُ
لم أستطع أن أرى فيكِ بعضي
وقد كنتُ فيكِ أرى كلَّ كلِّي
فأين الكتاب؟
معارضكِ الآنَ مهزلةٌ
مكتباتٌ فقط للتسلّي
ورشفِ السرابْ
فو الله أدركتُ أنْ
لم أضع فيكِ قبلاً
- كما كنتُ أوحي – ولكن
أضعتُ بكِ الآنَ دربي إليكِ
إلى سيرةٍ كان فيها سؤالٌ لكلّ جوابْ
وفيها ثوابٌ لكلّ عقابْ
وفيها صخورٌ تؤطِّرُ كلَّ الترابْ
وفيها، وفيها...
........
وفي مصرَ أدركتُ أني أضيعُ
وأغرقُ في شبر ماءْ
وقد كنتُ أمشي وحيداً
أصافحُ كلَّ طيورِ المزارعِ...
كلَّ الضفادعِ
في ترعةٍ، كنتُ طفلاً أراهنُ
من لم يكونوا ليَ الأصدقاءْ
بأني سأشربُ من كلّ ماءْ
وأنيَ لا أعرفُ الارتواءْ
فهل كنتُ أشربُ من أيّ ماء؟
فو اللهِ: لا
ووالله لم أعرف الارتواءْ.
* * *
*هامشٌ إيضاحيّ: عندما جئتُ مصر في مطلع الثمانينيات، وكنت في الخامسة عشرة من عمري (فصّلتُ ذلك في كتابي: سيف بن أعطى) لم أجئ إليها كسائح عابر، بل جئتُ أحسبها ملاذاً أقيم به ما سيكون لي من عمر، ولكنّ الظروف أخذتني إلى مكان آخر.. الآن جئتُ مرة أخرى، ونصف سكان مصر قد وُلدوا فيها وعرفوها بعد ذلك التاريخ الذي كان بيني وبينها؛ وأجد في ذلك مبرراً وشفيعاً يسمح لي أن أقول ما قلتُ عنها وفيها بقصيدتي الموجزة العفوية هذه، مع حبّي لها.