د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
أتمنى ألا يكون هذا المقال انتحاباً على هذا الواقع المرير، وإنما محاولةٌ -ولو خجلى- لتلمُّس بعض الأسباب التي شكَّلت هذا الواقع، وسعيٌ جادٌ إلى إيجاد بعض الحلول، من خلال عرض مجموعةٍ من المقترحات التي لن تفيد شيئاً ما دامت ستبقى حيز التنظير، دون أن تتحرَّك الجهات المسؤولة لبذل جهود حقيقية تطبيقا وتنفيذا، ودون أن يعي كلُّ عربيٍّ منا خطورة هذه القضية، ويدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه لمعالجتها.
إنه لمن المؤسف ألا تتجاوز نسبة المحتوى العربي 4% من مجموع المحتوى العالمي، وهي نسبةٌ غايةٌ في الضعف، خاصَّةً في ظلِّ النموِّ المتسارع الذي حقَّقته -ولا تزال- ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ إذ قفز عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية في العالم من 400 مليون في عام 2000م إلى أكثر من 3 مليارات في العصر الحالي، وسط توقعات ببلوغ المستخدمين العرب 226 مليون مستخدم بحلول عام 2018م، وهو ما يزيد من تعقيد هذه الإشكالية إن لم نتنبَّه لها ونتحرك لحلها.
إنَّ نظرةً عجلى في الدراسات الميدانية تؤكد أنَّ من أهمِّ أسباب ضعف الحضور العربي: الأمية التقنية التي تعدُّ امتداداً لمشكلة الأمية التعليمية المرتفعة في العالم العربي، ثم هناك تقييد الحريات الفكرية التي تعوَّد عليها الإنسان العربي بسبب الضغوط القبلية أو المذهبية والعرقية التي تحدُّ من قدرته على التعبير، إضافةً إلى عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده بعض الدول العربية نتيجة أحداث الربيع العربي.
أضف إلى ذلك الانهزامية التي يشعر بها العربي، بما يؤدي إلى ضعف افتخاره بلغته الأم، وتجنُّب الحديث بها حتى في دولته العربية، بل الأدهى حين تتجه الجامعات العربية إلى نشر البحوث العلمية بلغاتٍ أخرى، مما جعل العربية مجهولةً وضعيفةً في العالم الافتراضي، ثم هناك الصورة الذهنية عن العرب أنهم متخلفون همجيون، ومن ثمَّ فلا يستحقون أن يُدوَّن شيءٌ بلغتهم! وعلى الرغم من المبادرات الهادفة لإثراء المحتوى العربي التي أطلقتها بعض الجهات الرسمية في المملكة، إلا أنها تظل بطيئةً وقليلةً وضعيفةً لا تتناسب مع مستوى الأزمة وحجم الإشكالية.
ولعلَّ من أهم الحلول التي يمكن أن نبدأ بها لمعالجة هذه الإشكالية: السعي بكل الطرق إلى زيادة المحتوى العربي ذي القيمة العالية في الشبكة، من خلال خلق محتوى جديد باللغة العربية، واختيار محتوياتٍ موجودة على ورق مطبوع ورفعه على الشبكة، ككتب التراث والمجلات العلمية، وترجمة المحتوى القيم الذي لا يختلف بالثقافة كالعلوم، وتشجيع الشباب على خلق محتوى ذاتيا كاستخدام المدونات أو زيادة المحتوى العربي على موقع (ويكبيديا).
ولتنفيذ ذلك -وغيرها من المبادرات- ينبغي تأسيس تنظيم في كل دولة عربية يقوم بدعم هذا المحتوى، من خلال خطة عملٍ واضحةٍ يشرف عليها وينفذها، بالاستعانة بالمتطوعين من طلاب الجامعات، خاصة أولئك الذي يتقنون مهارات الحاسب والبرمجة والتصميم، كما ينبغي تشجيع كتابة البحوث المتخصصة في جميع المجالات باللغة العربية، ودعم النشر والإعلان عن المشروعات والمنتجات بالعربية، وتعزيز الانتماء والافتخار بالهوية العربية، والسعي إلى مضاعفة إنشاء المواقع والصفحات الخاصة بكل مجالات الحياة بهذه اللغة البديعة.
إضافة إلى مضاعفة التنسيق بين المبادرات المعنية بزيادة هذا المحتوى من جهة، والمؤسسات والوطنية المعنية بهذا الأمر من جهة أخرى، والتشجيع على العمل الجماعي والتطوعي في سدِّ هذه الثغرات، وأظنُّ أنَّ كلَّ ذلك لا يمكن أن يتم في ظلِّ غياب التنسيق وتضافر الجهود الذي يُعدُّ العقبة الكبرى في سبيل إثراء المحتوى العربي الرقمي، بل في سبيل كل مبادرة تخدم العرب والمسلمين.