سهام القحطاني
يا مدينة التاريخ:
«وأين منا يد التاريخ توقظنا
فربما القوم ناموا بعدما تعبوا»
- آل مكتوم -
حلب مدينة العروبة فعجب:
«من حالنا والدهر يسألني
أهؤلاء هم الأخيار والنُجب»
- آل مكتوم -
حلب تحترق اليوم أمام أعين العالم الذين جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا على تجاهلهم و استكبروا استكبارا، لكن الله يُمهل ولا يهمل ولا يدرك الجاهلون أي منقلب ينقلبون.
حلب ليست مجرد مدينة على خارطة العرب إنما هي تاريخ وإحراقها هو إحراق للتاريخ بإرثه الضارب في جذور العراقة، حلب ليست مدينة على خارطة العرب إنما هي حضارة ورمز للعروبة، وإحراقها هو إحراق للحضارة التي سارت بعزّتها على رباها الشهباء، لتظل شاهدة على قدرة وعجائب الله في خلقه.
حلب تحترق أمام أعين العرب وهم ينددون ويصرخون، ولسان حالنا يقول:
«يا أمة الشجب والتنديد ما صنعت
فينا بطولات من دانوا و من شجبوا»
- آل مكتوم -
وبعضهم يصفقون ويهللون للمارد الطاغي ويُذبح أبناؤهم أمام أعين العرب وهم يُنددون ويصرخون ويستدعون رحمة الله، وما حققت الحناجر يوماً لمظلوم حقاً أو كرامة، وبعضهم يصفقون ويُهللون للمحتل الجديد، يُداس أطفالهم بالعربات ويُفجّرون والعرب يُنددون ويصرخون ويستغيثون بالدعاء واحلباه، وكأن النصر فوق مآذن المساجد، وبعضهم يصفقون ويهللون للفرعون الجديد.
ها هي حلب التاريخ والحضارة تُدمّر أمام العرب وهم يتفرجون ويلعنون وبعضهم يتآمرون على محو هوية مدينة التاريخ والحضارة.
حتى:
«قد سيم خسفا حِمانا بعد عزتنا
وحكّم السيف فينا من له أرب»
- آل مكتوم -
لتظل حلب عنواناً لفشل العرب وتفرق دمهم بين دهاليز مجلس الأمن والقوى العظمى، والسؤال يتردد:
«فأين ما كان من أحلام وحدتنا
وما مضغناه حتى ملّت الخُطب»
- آل مكتوم -
لن ينسى التاريخ مساءلتنا بأي ذنب أُحرقت حلب، بأي ذنب دُمِّرت، بأي ذنب هُجِّر أبناؤهم ؟ لن ينسى التاريخ مساءلتنا كيف سمحنا لأرض الشهباء بأن تُصبح مقابر لأطفالها، ونسائها ولعروبتها ؟ ومرعى خصباً لكل متطرف إرهابي تاجر بالله قبل كل شيء؟
فأي ثمن لقصة صراع تدفعه حلب اليوم؟ ويتجاوز الظن صدقه إن اعتقدنا أن قصة حلب تقتصر على دلالة مدينة آمنت بحريتها فانتفضت غاضبة، لتكسر قيد الطغيان والجبروت، لتحصل على كرامتها الإنسانية في زمن الحسابات أصبحت تُقاس بقوة السلاح، لا بحقوق وكرامة الإنسان.
حلب اليوم تدفع حساب الأقوياء على طاولة المفاوضات، قتلاً وتهجيراً ، حتى عجز الشعر عن وصف ألم أسطورة الشعر.
«ما يصنع الشعر فينا أيها العرب
مادام قد مات في أرواحنا الغضب»
- آل مكتوم -
حلب اليوم أصبحت ساحة لاستثمار تجار الدين والسياسة والسلاح وتصفية الحسابات الدولية، ومقاصد الفتنة بين طائفتي الأمة الواحدة والشعب الواحد، مقاصد لإخراجها من قلب ذلك التوازن لتحويلها إلى مصدر فتنة وصراع وجرها لتُصبح مصدر كراهية وحقد وعداوة بين الأخوة، من أجل جبّار ظنّ كمن قبله أنه «ربهم الأعلى».
حلب قلب العروبة تتحول إلى جوكر على طاولة رهانات القوى العظمى وقطعة ثلج في أقداحهم وصوت استغاثة من تحت القبور والبيوت المهجورة والجثث واحلباه، فهل من مستجيب؟.
ستظل ذاكرة المجد خالدة وبطولة النضال محفورة في التاريخ لمدينة آمنت بحريتها ودافعت عن كرامتها وكسّرت أقدام أعتى الطغاة على أبوابها، آمنت بأن الحق سيأتي لا محالة فتلك سنّة الله في الكون ولكن الطغاة لا يفقهون.
حلب اليوم تصفع العرب وسكانها يُهجّرون بعد أن تحولت البيوت إلى مقابر بسؤال الهزيمة:
«يا وجه أمتي الغالي وسحنتها
حتى متى بدخان الذل تحتجب؟»
-رسالة إلى الأمة محمد بن راشد آل مكتوم -