يليقُ بكِ هذا السكون الذي يذعن لضجيج لطفك، ويليقُ بكِ المكان يبدل من جلده ما يتفق ورقتك، وتليق بك اللحظات تأتي بكِ مُستقطعةً من زمنٍ آخر ساعاته من لهفةٍ وأيامه من وله، وسنينه من شغفٍ لا ينتهي، ويليقُ بك أن يستبطئكِ الحضورُ نفسُهُ، ويليقُ بك أن تتأخري عن كل شيء إلا عن هذا الاستبطاء في قلبي وفي أعين الناس، ويليق بكِ هذا الاحتراز في التعبير عما تمسِّينه من مشاعري ألا أجد صيغةً مناسبة تعني ما تطبعه في نفسي هالتُك نورانية التي أصعد بها إلى درجةٍ من العيِّ أضاهي بها في حالٍ آخر درجات الكلام جميعها من فصاحة وبلاغة وبيان.
يليق بك هذا الخلود في ملصقٍ فني في ذاكرة المشهد. هالتُكِ النورانية تلك تحورت بشيءٍ من دلالتها المادية إلى فراشاتٍ تُحيط بك بذات الضجيج من اللطفِ الذي يُقلُّكِ كسحابةٍ عذراء تعبر أحد الحقول.
ويليقُ بكِ هذا الترفُ من الفتنة في صدري، لأنني حينما أفهمه تماماً أظهرُ له بأنني لستُ وإياهُ على وفاقٍ، أو أنني أتجاهله وحسب، فتعودين شاكةً في أنَّكِ لم تمنحيني إياه على الغاية التي أريد أو شيءٍ منها، فتطلقينه من جديد ترفاً على ترف فأنعمُ به طالباً المزيد؛ لكنني لا أتجاهله دائماً خشية الخروج من ذلك النطاق الذي ندور فيه كيما يستمر ما بيننا.
أنتِ، كما أنتِ لا يُشبهكُ سواك وحظي الفاخر حينما فاز بك، وهو الذي لم يكن من قبل كذلك. أنت ذلك النسيم الذي يلاطف روحي بين حينٍ وآخر داعياً إياها بطلاقته المعتادة إلى الجنة، كمَلَكٍ لم يُوَكَّل بغير هذا لغير واحدٍ من الناس.
وتليقُ بكِ هذه الجروح في نفسي تندمل ساعة أن تعصبي ماضيَّ البئيس بنطاقٍ من أملكِ الخالد في حاضرٍ تصنعين بياضه من تشكلاتٍ للإيمان عالقة في شبكةٍ من رجاءٍ قديمٍ رجح بما سواه.
وأليق بك أنا، هبة القدر إليك، لمَّا كنتُ أحلق بأحلامي فوق جناح القدر مسافراً أبدياً أبحث عن ذلك اللطف، ذلك اللطف الذي بدا فكنتِ أنت، وكان أن وقع ذاك الخيال السحيق على أرضٍ تفسَّحت لكِ عن أجمل ما للطبيعةِ فيها، وكنتُ أنا من ثمَّ ذلك المعنى النبيل الذي لا بد وإن طالت الرحلة أو امتد الحلم أن يعتني بهذه الدلالة، ويمتطي هذه الصهوة من اللغة الجميلة التي لا يعرفها سوانا.
- مبارك الهاجري