في معجم المعاني: القومية هي صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن واللغة ووحدة التاريخ والأهداف.
إذن هي صلة عاطفية! فهل يجوز القول انها أيديولوجية؟ وهل الاشتراك في الوطن ووحدة المصير والأهداف تخص قومية واحدة تاريخياً وجغرافيا؟
الأيديولوجية هي منهج فكري للتعامل مع الظواهر فلا يمكن للأفكار أن تكون خاصة بهذه القومية أو تلك. لا يوجد مثلاً أيديولوجية كردية أو بلوشية أو عربية او انجليزية او فرنسية او غيرها، إنما يوجد فكر انساني مشترك نهل منه البشر عبر التاريخ وتلقفته الدول والأديان والثورات، ووصل الى مستوى من الفرز بين منهج يخدم المتسلط من جميع القوميات، وآخر يخدم الطبقات المسحوقة من جميع القوميات ايضاً.
استثارة العاطفة المسماة قومية سلاح ذو حدين، فالمتسلط يستخدمه للهيمنة على قوم آخرين بينما يستخدمه المسحوق للاستقلال عن هيمنة قوم آخرين. هل القومية مجرد صلة اجتماعية؟ أم هي توجه اجتماعي له أهدافه؟
ليس من السهل الإجابة على هذين السؤالين، وذلك لأن القومية كصلة عاطفية أو كتوجه اجتماعي هي مراحل تطور لمفهوم واحد تبعاً للحقبة التاريخية التي ظهر بها.
قبل الأديان كانت الحضارات البشرية كلها تنتمي الى الأرض وليس للغة، فتوجد حضارة وادي الرافدين والحضارة البابلية والفرعونية (المصرية) والفارسية (بلاد فارس) واليونانية وغيرها.
كانت كل حضارة من تلك الحضارات تضم في داخلها عدة أقوام ولغات، بل تحولت كل منها في مجرى التطور الى أقوام مختلفة ومتفرعة، فهل يجوز نسبة أي منها الى قوم بعينهم؟
حينما نشأت العبودية كان لا بد من تصنيف البشر الى أعراق (راقية) وأخرى (وضيعة) لتبرير الاستعباد. وقد جرى ذلك التصنيف ضمن القومية الواحدة في بداية الأمر لكي تكون السلطة السياسية وتوزيع المنتج الاجتماعي بيد عائلة أو عرق واحد.
إذن تطور القومية من صلة عاطفية الى توجه اجتماعي منشأه الاستعباد، وشيوع مفاهيم مثل (قبيلي) و(خضيري أو حضري) ليس بعيداً عن ذلك أيضاً، حيث كان ولازال (القبيلي) هو أداة الاستعباد لدى المتسلط.
بعد خروج النظام العبودي من نطاق المجتمع الواحد الى استعباد مجتمعات أخرى أو قوميات أخرى، أصبح لا بد من تصنيف الأمم والقبائل الى عريقة ووضيعة لتبرير الهرمية في العمل وعدم العدالة في توزيع الثروة.
وقد انعكس كل ذلك على كل القوميات فيما بعد.
- د.عادل العلي