أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
تأسست المملكة العربية السعودية على التوحيد وقامت على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-, فالنصرة والمؤازرة السياسية للدعوة من حكام الدولة السعودية بدءًا من ذلك العهد والاتفاق الذي تم بين الإمامين محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب سنة 1157هـ / 1744م كان له الأثر الفاعل في تمكين الدعوة ونشرها في مشارق الأرض ومغاربها ولم يكن ذلك في دورها الأول فحسب بل في أدوارها الثلاثة.
لقد جاءت الدعوة الإصلاحية في زمن كثرت فيه الانحرافات الفكرية والانزلاقات العقدية، فكانت الدعوة الصادقة التي قام بها الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب، والإمام محمد بن سعود مبادرة لتنقية العقيدة وإزالة ما علق بها من الانحرافات العقدية، فنحن بحاجة في هذا الزمن إلى بيان حقيقة هذه الدعوة الصادقة الصحيحة، وبيان حقيقتها ومنهجها، وفي هذا المقام تتأكد أهمية كتاب: (السلفية حقيقتها وأصولها وموقفها من التكفير «دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أنموذجاً»)، تأليف معالي الشيخ الأستاذ الدكتور: سليمان بن عبدالله أبا الخيل، مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعضو هيئة كبار العلماء، ورئيس المجلس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، فنحن في وقت تشتد الحاجة فيه لمواقف العلماء الربانيين الذين ينطقون الحق ويبينونه، فجاء هذا الإصدار الرصين ليرد بالحجة الدامغة على أصحاب الأهواء الذين يسيرون خلف شهواتهم، ويستترون بالضلال، فجاء هذا الكتاب ليبين منهج السلف الصالح في فهم الإسلام الصحيح الذي كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام وتابعيهم -رضوان الله عليهم-، وإنه لمن أوجب الواجبات على العالم الرباني صاحب البصيرة أن يبين الحق للناس ويدعوا إليه وينشره بين المسلمين، فالطريق الصحيح هو باتباع كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخسرين).
ورأت صحيفة (الجزيرة) أن تلقي الضوء على هذا الكتاب القيم والمهم في هذه الظروف التي نعيشها، حيث الهجمة الشرسة على المملكة ومنهجها القويم في مختلف وسائل الإعلام العالمية، حيث تعالت الأصوات التي تطعن في المنهج السلفي الصحيح النقي بالتهم والأكاذيب الباطلة، عندها تبرز الحاجة لهذا الإصدار العلمي الذي بكشف الحق ويزهق الباطل، وقد بين مؤلف الكتاب الدكتور: سليمان أبا الخيل أهمية هذا الموضوع بقوله: تنبع أهمية الموضوع من المحتوى الذي سيعالجه، ومن الحاجة الماسة إليه، والفوائد المرجوة منه، فموضوعه بيان حقيقة الدعوة السلفية وتوضيح منهجها وما دعت إليه، والأصول التي اعتمدت عليها، واستمدت منها، وأنها دعوة الإسلام، دين الله الذي أرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام، وأنزل فيه كتبه، وليست شيئًا خارجًا عنه، ولذلك أهمية عظيمة، فبتحقيق هذه المفاهيم، وإقامة الأدلة والشواهد عليها، وتثبيتها حقائق واقعية، يزول اللبس ويرتفع الاشكال وتقوم الحجة، وتتبين المحجة، ولا تخفى الحاجة الماسة اليوم إلى ذلك، حيث وقع تضليلٌ كثيرٌ، وتلبيسٌ كبيرٌ من طرفي الغالين والجافين، مما يحتاج معه الحال ضرورة إلى هذا الموضوع، وتتحقق بذلك أهميته، وإذا تحقق ما سبق ذكره، تحققت الفوائد الكثيرة ونتجت الثمار الوفيرة من هذا الموضوع بإذن الله تعالى التي ستعود على الإسلام والمسلمين عامة وعلى بلادنا خاصة، بل وعلى العالم بأسره، بالأمن والاستقرار والخير العميم.
وفيما يلي تلخيص ذلك:
مكانة موضوع البحث الكبيرة، وآثاره العظيمة، وما يكتنف هذا الموضوع من اللبس والاشكال, ووقوع تضليل كبير وتلبيس كثير من طرفي الغالين والجافين، ومسيس الحاجة إلى تبيان هذا الموضوع في هذا العصر، لتداخل العالم وتشابك مصالحه، وما يترتب على بيانه وإيضاحه من الفوائد الكثيرة، والثمار الوفيرة، التي ستعود على الإسلام والمسلمين بالأمن والاستقرار.
وقد جاء تأليف هذا الكتاب وفق منهج علمي دقيق ومؤثر، ويهدف المؤلف من خلاله إلى تحقيق أهداف عدة، هي: إيضاح حقيقة الدعوة السلفية، ومنهجها في التعامل، وبيان حقيقة منهج الدعوة السلفية في التكفير، وبيان حقيقة موقف الدعوة السلفية من التكفير، واستقراء مسائل النقد والشبهات وتمحيص كل منها بموضوعية، والوفاء بحق الدعوة وأئمتها وإبراز محاسنها، وأثرها في الداخل والخارج، والإسهام في تحصين الناشئة من الأفكار المنحرفة والشبه المضللة، ودعم البحث العلمي وإثراء المعرفة، وترسيخ الموضوعية، وإبراز الحقيقة في أوضح صورها.
ويحوي هذا الكتاب النفيس: مقدمة، وخمسة فصول وخاتمة.
جاء الفصل الأول بعنوان: «الدعوة السلفية الحقيقة والمنهج، النشأة والأثر» ويقع هذا الفصل في أربعة مباحث، ليقف المؤلف في المبحث الأول على حقيقة الدعوة السلفية، حيث سار معالي د.أبا الخيل على تسلسل منطقي علمي في إيضاح مصطلح الدعوة ليكشف عن معنها في اللغة والاصطلاح، ليذكر تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:»الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبُد ربه كأنه يراه»، ويتجلى من حديث شيخ الإسلام حقيقة هذا المصطلح ومعناه، وهو التعريف الأعم والأشمل كما وصفه د.أبا الخيل.
بعد ذلك ينتقل مؤلف الكتاب للكشف عن المصطلح الأهم والأعمق وهو (السلفية)، ليذكر تعريفها في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وليشير بعد ذلك إلى التعريف الاصطلاحي للسلف بقوله: جاء في كشاف اصطلاحات الفنون أن «السلف في الشرع اسم لكل من يقلد مذهبه «الصحيح» في الدين ويتبع أثره كأبي حنيفة وأصحابه فإنهم سلف لنا، والصحابة والتابعين فإنهم سلفهم».
هذا مفهوم لفظ «السلف» اصطلاحًا، أما المقصود بمن يمثله فقد حدده العلماء والباحثون قديمًا وحديثًا من الناحية الزمنية بقرون الإسلام الثلاثة الأولى، حيث قالوا: إن المراد بالسلف تاريخيًا هم أصحاب هذه القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ممن شهد لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالخيرية، وذلك في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا، ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن».
بعد ذلك يبين معالي د.أبا الخيل تعريف المنهج السلفي، بقوله: المسلك الذي سلكه أعلام السلف رحمهم الله والطريق التي ساروا عليها فامتازوا عن غيرهم من أصحاب الفرق والطوائف والمذاهب الأخرى التي ظهرت في العالم الإسلامي، سواء في ذلك التصورات العقدية التي اتخذوها في كبرى القضايا الخاصة بالله والإنسان والكون والحياة، والمنطلقات الفكرية التي صدروا عنها في فهم الإسلام والعمل به نصًا ومعنى، والمبادئ والقيم الإسلامية التي التزموا بها في مواجهة التحديات المستجدة التي مرت بهم.
وهو منهج الإسلام نفسه والطريق القويم والسبيل القاصد البينة معالمه المأمونة عواقبه، وهو صراط الله المستقيم وحبله المتين الذي أمرنا سبحانه وتعالى باتباعه في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام.
ويستمر د.أبا الخيل بأسلوب علمي رصين في إيضاح معنى الدعوة السلفية حيث يقول: الدعوة السلفية هي دعوة الكتاب والسنة، والدين الصحيح والإسلام النقي، وهي اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لهم بإحسان بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، مع جهاد النفس على العمل بما يدعو إليه.
أو هي: الدعوة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمة الدين ممن شُهِد لهم بالإمامة في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفًا عن سلف.
ويسترسل معالي الدكتور أبا الخيل في إيضاح مصطلح الدعوة السلفية ليكشف من يشملهم وصف السلف ومن يخرج عنهم، حيث يقول: من هذه الإطلاقات لكلمة السلف ومما تقدم يمكن القول: إن هذا اللفظ يشمل:
الصحابة والتابعين، وتابعيهم من الأئمة الذين يقتدى بهم، كالأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن أبي شيبة، والبخاري ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.. وغيرهم من الأئمة الأجلاء الأعلام الذين شُهِد لهم بالإمامة في الدين والورع والتقوى ظاهرًا وباطنًا، وتلقى الناس كلامهم بالقبول والعمل به خلفًا عن سلف.دون اعتبار لزمن معين، وعندئذ يتحدد مذهب السلف بما كان عليه الصحابة الكرام والتابعون وتابعوهم من الأئمة المذكورين.
ويخرج عن السلف كل من رُمِيَ ببدعة أو اشتهر بلقبٍ غير مرضٍ من الفرق المخالفة للسنة ولمذهب الصحابة وما كانوا عليه، مثل: الروافض، والخوارج، والقَدَرية، والمرجئة، والجبرية، والمعتزلة، والمشبهة أو المجسِّمة، فهؤلاء ليسوا على ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، بل هم مخالفون لهم، ومخالفون لأهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة وعلمائها الذين يقتدى بهم في الدين.
وكذلك: ليس من مذهب السلف - رحمهم الله - حمل الناس على اعتقادٍ لم يعتقده الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولا امتحان الناس بما لم يمتحنهم الله تعالى به، والعمل على الفتنة وتفريق صفوف الأمة، وليس من مذهب السلف - وإن ادّعاه قوم -أن يُطلِق إنسانٌ لسانه بالطعن والشتم على الأئمة المتقدمين، ولا سيما الأئمة الأربعة، ويحط من قدرهم بنسبتهم إلى الجهل أو الخطأ أو تعمد التغيير في الأحكام، ويستدل على مُدَّعاه بآية يأخذها على ظاهرها دون أن يفقه معناها، أو يستدل بحديث لا يدري قول الأئمة فيه، ويدعو الناس والعوام إلى الأخذ من القرآن أو الحديث من غير اتباع لقول أحد من الأئمة، ويقول: هذا كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا، فأي حاجة بنا إلى تقليد فلان أو فلان، وهم رجال ونحن رجال!
هذا القول ليس بحق، أو هو حق أريد به باطل، بل هو محض باطل أراد به صاحبه تشكيك الناس، أو الوصول إلى الشهرة بينهم، إذ ليس بوسع كل أحد أن يأخذ أي حكم يريده من القرآن أو السنة إلا بمراجعة ما ورد من الأئمة في ذلك الحكم، فهم أقرب عهدًا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وأكثر علمًا وإحاطة بما جاء عنه، وفي الآيات والأحاديث ما هو منسوخ، وما هو مقيد، وما هو محمول على غيره، كما هو مذكور في علم الأصول.
وليس من مذهب السلف أيضًا: تأويل القرآن الكريم بالرأي الفاسد، دون النظر إلى ما ورد عن أئمة اللغة وما فسر به الصحابة وما ورد فيه من آيات وأحاديث، وإلا فإنه يأخذ بعض الآيات والأحاديث، يضرب بعضها ببعض، أو يأخذ بعض الأدلة ويترك سائرها، أو يترك المحكم من النصوص في القرآن والسنة، فيأخذ ما يتفق وعقله وينبذ ما لا يتفق معه أو لا يعرف وجهه ومعناه، أو يحمل نصوص الشرع على وفق هواه ومذهبه الذي ينتحله باطلاً.
ويخصص د.أبا الخيل المبحث الثاني في هذا الفصل للحديث عن منهج الدعوة السلفية، ليلقي الضوء على منهج السلف وقواعدهم، ليدلف بعد ذلك إلى المبحث الثالث: نشأة الدعوة السلفية والنظرة المعاصرة لها، ليقف على بداية ظهور مصطلح الدعوة السلفية، وحكم الانتماء لها، وموقف علماء العصر من الانتساب إلى السلف، ولا يغفل مؤلف الكتاب المسألة المهمة في هذا الميدان والتي تكشف أهمية هذا الكتاب ومواكبته للعصر، ليتحدث عن السلفية من وجهة نظر الفلاسفة الغربيين، ليختم الفصل بالمبحث الرابع والأخير وهو أثر الدعوة السلفية في الداخل والخارج، ليبين المنطلقات الصحيحة التي قامت عليها الدعوة السلفية، وتأثيرها وفضلها على مختلف بلدان العالم.
وينتقل د.أبا الخيل في الفصل الثاني من الكتاب إلى مسألة مهمة ودقيقة وهي: الدعوة السلفية والوسطية، ليخصص هذا الفصل للحديث عن ما تمتاز به الدعوة السلفية، يقول المؤلف في هذا السياق: لقد ميز الله أهل السنة والجماعة بالوسطية بين فرق المسلمين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ...» الحديث.
فأهل السنة هم في جملتهم «العدول الخيار» أهل التوسط والاعتدال في كل أمور الدين: عقيدة وعلمًا وعملًا وأخلاقًا ومواقف. وسط بين الغلو والتقصير وبين التفريط والإفراط في سائر الأمور.
ليتناول المؤلف في هذا الفصل مفهوم الوسطية والاعتدال، ليبين أنها سمة الدعوة السلفية، وبعدها يقف على موقف الدعوة السلفية من الغلو, ليطرح علاج هذه الظاهرة.
ويخصص المؤلف الفصل الثالث من هذا المجلد للحديث عن: الدعوة السلفية والمخالف، ليدرس هذا الموضوع من كل جوانبه، حيث يقف على الشق الأول وهو المخالف المسلم ليبين الطريقة الصحيحة في التعامل معه، يقول المؤلف في هذا الشأن: لقد سوّد خصوم الدعوة السَّلفيَّة كمية هائلة من الكتب والمؤلفات، ضد دعوة الشيخ وأنصارها - سواء المطبوع منها أم المخطوط -، وأفردوها بالتصنيف والتأليف، وإن كانت هذه المؤلفات - في الحقيقة - مثل الزبد الذي يذهب جفاء … إلا أننا في عصر قد فشا فيه الجهل، واستحكم عليه التقليد الأعمى، مما جعل لمثل تلك المؤلفات قبولًا وانتشارًا عند طوائف من المسلمين.
كما أن هناك مراجع وكتبًا في مختلف العلوم، ولا تخلو منها مكتبة - غالبًا -، قد تضمنت شيئًا من الطعن وإثارة الشبهات على الدعوة السَّلفيَّة ومجددها وأنصارها، كما هو ظاهر مثلًا فيما كتبه ابن عابدين في حاشيته والصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين، والرحلة الحجازية لمحمد لبيب البتنوني ومرآة الجزيرة العربية لأيوب صبري باشا، وتاريخ الدولة العثمانية لمحمد فريد بك وتاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة والفكر الإسلامي في تطوره لمحمد البهي، وغيرها.
بل إنَّ بعض الموسوعات العربية، قد تضمنت بعض المعلومات الخاطئة عن الدَّعوة السَّلفية.
بل إن بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة أخذت على عاتقها تشويه الدعوة السلفية، والنيل منها، ومحاولة القضاء عليها، ومن هذه الجماعات والأحزاب: جماعة الدعوة والتبليغ «الأحباب»، وجماعة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير، فصاروا يحذرون من الدعوة السلفية بأسماء ينفرون منها مثل اسم:»الوهابية»، و»الجامية» علمًا أن المنسوبين لهذين الاسمين هم أهل العقيدة السلفية الصحيحة، ولكن ردَّ أهل السنة على هذه الجماعات وفضحوهم وبينوا عوار فكرهم ومذهبهم، فالذين يزعمون أنهم وهابية ردوا عليهم في مسائل الشرك وعبادة القبور، وكل ما يصرف من العبادة لغير الله، ثم اخترعوا لأهل السنة في هذا الزمن الحاضر اسم الجامية لأن أهل السنة السلفيين ردوا على المخالفين من الإخوان المسلمين، والتبيلغ وغيرهم في مسائل السمع والطاعة وقضايا التكفير والجهاد والدعوة وغيرها من المسائل التي خالفت فيها هذه الفرق والجماعات منهج أهل السنة والجماعة.
وللأسف نجد من دور النشر لأصحاب هذه الجماعات، أو الدور المتأثرة بهذه الجماعات، أو المتعاطفة معها إعراضًا عن طباعة كتب السلف، وخاصة التي ترد على أهل البدع، بل إنَّ بعضًا من كتب أئمة الدَّعوة مما سبق طبعه من كتب الرُّدود، أصبح الآن عزيز المنال نادر الوجود، وأذكر منها على سبيل المثال:
كتاب «تأسيس التقديس في الرد على داود بن جرجيس» للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله وكتاب «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على داود بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله.
وكذلك كتب الشيخ سليمان بن سحمان- في غالبها - قد طبعت منذ زمن ليس بالقليل، ولم يعاد طبعها مع أنَّ الحاجة قائمة إليها.
ونلحظ - بالنَّظر والاستقراء - أنَّ دعاوى الخصوم واعتراضاتهم ضد دعوة الشيخ الإمام في زمنه، يتلقفها من بعدهم، ثم الذين يلونهم، وهكذا إلى زمننا هذا، فهذه الدعاوى المثارة اليوم ضد الدعوة السلفية لا تتجاوز غالبًا ما أثاره أسلافهم زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كما أن أولئك الأسلاف تلقفوا كثيرًا من شبهاتهم عن أسلافهم السابقين ممن ناهض دعوة السلف الصالح، وعادى مجدديها مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى، ومن قبلهم من أئمة السلف، فإن جذور هذا الصراع قديمة ممتدة عبر قرون عديدة.
وردود علماء الدعوة السلفية لم يكن الهدف منه تشويه الخصم أو النيل منه من أجل غرض دنيوي مادي، كما يظن هذا بعض الجهلة الأغرار، وإنما المراد النصح لدين الله وشرعه، ونصر الحق ونشره، وكف شر المخالف، والنصح للمسلمين، وقد سطر علماء السلف - رحمهم الله - قواعد وضوابط في التعامل مع المخالف المسلم، ومنها: النَّظَر فيما يؤول إليه الأمر من المصالح والمفاسد، وعرض المنهج والحوار بالتي هي أحسن، مع الرحمة والشفقة بالخلق والحكمة في ذلك كله، وتحري العدل والتبرؤ من التعصب مع المخالف، وتقدير ما يسع فيه الخلاف وما لا يسع, والرد والتقعيد للنوازل المهمة وإزالة اللبس فيها، وبعث الرسائل والخطابات لتذكيره إذا غفل، وتنبيهه إذا أخطأ، أو إزالة شبهة عالقة، والبعد عن كل أسباب الوقيعة والشتيمة.
ويواصل د.أبا الخيل حديثه في بيان طريقة التعامل مع المسلم المخالف، وذلك عبر نصوص أئمة الدعوة السلفية في لزوم ضوابط التعامل مع المخالف المسلم، لينتقل إلى الشق الآخر وهو الدعوة السلفية والمخالف غير المسلم، ليفتتح الحديث بمبادئ الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، وتطبيق أئمة الدعوة السلفية مبادئ الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، يقول: الإسلام دين اليسر ورفع الحرج والمشقة؛ فلا عسر فيه ولا أغلال ولا آصار, وهذه ميزة للإسلام لا يشاركه فيها دين آخر, وقد كانت الأمم السابقة تكلف بتكاليف عسيرة, وفرض عليها فرائض شديدة, وذلك لكثرة عنادهم وشكوكهم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157]، وقال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا} [النساء: 160]، وقال تعالى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286 ].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم».
وقال النبي:-صلى الله عليه وسلم- «إنما بعثت بحنيفية سمحة».
ومن هذا المنطلق فقد شمل الإسلام بيسره ورفقه الناس جميعًا، المسلمين وغير المسلمين؛ فتسامح في كثير من القضايا والأحكام, ومنحهم كثيرًا من الحقوق.
ولقد كانت نظرة النبي -صلى الله عليه وسلم - الرحيمة إلى المخالف في الدين على أنه إنسان مدَعُو إلى الدخول في الإسلام من أمة الدعوة فهو في حكم الضال، وعلى المسلمين أن يدلوه على الطريق المستقيم، فإن استجاب فهو أخ في الدين له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، كما قال تعالى:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة:11].
إنَّ على المسلمين الاتصال بهذا العالم وهدايته إلى الطريق القويم، ونشر الإسلام بين أرجائه، وإزالة ما قد يحول دون وصول دعوة الإسلام إلى الشعوب.
لقد أوحى الله تعالى إلى نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم - أن دعوته ليست إقليمية تقتصر على العرب وحدهم ولا يختص بها جنس دون جنس، بل هي للناس كافة، فالإسلام دين البشر قاطبة، ومن فضل الله على الأمة الإسلامية، أن الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات جاءت شاملة كاملة لكل ما يحتاجه المسلمون في حياتهم الدينية والدنيوية، موجهة للثقلين الجن والإنس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ:28].
ومن هنا فقد تجلى منهج النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم - في هذا الاتجاه من عالمية الدعوة الإسلامية، فأخذ يدعو الناس أفرادًا وجماعات، حكامًا ومحكومين، وقد أرسى في هذا الشأن كثيرًا من المبادئ التي تحدد علاقة المسلمين بغير المسلمين.
إن استقراء السيرة النبوية العطرة في تعامل الرسول -صلى الله عليه وسلم - مع غير المسلمين، واستظهار الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الخاصة بهذا الجانب من التعاملات، ليبرز لنا موقف الإسلام - حيال الأديان الأخرى وحيال أهلها - الذي اتسم بالعدل والاستقامة في التعامل مع أهلها.
لقد قرر الإسلام مبادئ في التعامل مع غير المسلمين، هي أسمى ما يمكن أن يصل إليه تشريع في الحرية والعدل والإنصاف... ومن هذه المبادئ:
أولًا: عدم إكراه غير المسلم بالدخول في الإسلام، ثانيًا: العدالة، ثالثًا: الإنصاف، رابعًا: التسامح، خامسًا: الوفَاءُ بالوعدِ، سادسًا: الرَّحمَةُ وَالبِرُّ، سابعًا: الأمن والسلام، ثامنًا: المجادلة بالحسنى.
....يتبع