تركي بن إبراهيم الماضي
كانت مراسلة تلفزيون تراقب مرور الممثل الأمريكي دينزل واشنطن خارجًا من مكان ما، لتسأله عن بعض الشائعات التي راجت حوله مؤخرًا، حتى تستطيع أن تكسب سبقًا صحفيًا. سألته عن أنه أصبح عنوانًا بارزًا في التغطية الأخبارية، وقد تكون هذه الأخبار التي راجت حوله خاطئة. ضحك الممثل، وعلم أنها تجهز له شيئًا فسألها:
- ماذا قالوا أيضًا.. هل قالوا بأنني سأترشح للانتخابات؟
أرادت أن تنقل له وجهة نظر الإعلام في موقفه تجاه دعمه لدونالد ترامب، وتراجعه عن دعم هيلاري كلينتون، لكن لم يدعها تكمل فقاطعها قائلاً:
- إذا لم تقرأ الصحف فأنت جاهل، وإذا قرأتها فأنت مضلل.
إجابة ذكية، تعطي درسًا بليغًا، في فهمه الشخصي، بما يقوم به الإعلام من تضليل للرأي العام. لكن المراسلة الفضولية، سايرته، ولم تجادله، فسألته:
- إذن ما هو دورنا كإعلام؟
أتى السؤال على طبق من الذهب للممثل واشنطن، فلم يفوت الفرصة، في أن يقدم رأيه، دون أن يتعرض للضرر الذي أصابه على المستوى الشخصي، فقال:
- هذا سؤال عظيم. على المدى البعيد، ما هو الأثر السلبي في السعي لاستعراض المعلومات الكثيرة؟ واحدة من الآثار السلبية حاجتك بأن تكون لك الأولوية في استعراض الخبر، وليس المصداقية، كما هو الحاصل الآن. ما المسؤولية التي تحملونها على عاتقكم؟ أن تذكروا الحقيقة وليس الأهمية أن تكون الأول في نقل الخبر، فقط قول الحقيقة هو المهم. نحن نعيش في مجتمع لا نهتم إلا بالسبق الصحفي، نحن لا نهتم من سوف يتضرر، ولا نهتم بمن سيتدمر، نحن لا نهتم إذا كان الخبر صحيحًا من أساسه، فقط قل الخبر ثم قم ببيعه. أي شيء تخوضون فيه سوف تكونون جيدين فيه، ومن ضمن هذه الأشياء «الهراء»!
الكلام ليس جديدًا في بابه، فقد كان الناس يصفون ما ينشر بالصحف بأنه «كلام جرايد» للدلالة على أنهم لا يثقون فيما ينشر في وسائل الإعلام. ولكن الجديد فيه، هو تبيان الأضرار التي تترتب على تشويه الحقائق، وخصوصًا في تدمير سمعة الناس، نظرًا لرأي مختلف أو موقف خارج عن السائد. وقد يظن من يتلذذ بجلد الذات أن هذا يحدث فقط في بلاد العالم الثالث، ولكنه أيضًا يحدث في كل مكان تصل فيه الرسالة الإعلامية بكل وسائلها. وحدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مؤخرًا، حيث أسهم كثير من وسائل الإعلام الأمريكية في تضليل الرأي العام لدعم مرشح ضد آخر. وهذا مثال ناصع البياض، للتأكيد على أن التضليل قد لا يكون هدفًا رئيسًا للوسيلة الإعلامية، لكن هاجس السبق الصحفي، يجعل المنتسب للمهنة الإعلامية يسهم - دون أن يدري أو يدري لكنه يتعامى - في تشويه الحقائق. والمعنى في هذا كله: «ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما يقال صدقًا»!