د. عبدالحق عزوزي
رأينا الأسبوع الماضي أن إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة التي تؤرق المشتغلين في العلاقات الدولية والمتتبعين للأحداث المتسارعة في الساحة الدولية. فهاته المنظمة الأممية التي أنشئت سنة 1945 وبني هذا الإنشاء على علاقات القوة الموروثة من الحرب العالمية الثانية التي جعلت من الدول الخمسة الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا) تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الإستراتيجية الخاصة بها، بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية متعددة يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة.
إصلاح الأمم المتحدة أمر صعب جداً ولكن ليس بالمستحيل؛ ويبدو لي من خلال قراءة التاريخ لما بعد الحرب العالمية الثانية خاصة أحداث الأشهر القليلة الماضية التي تتسارع بطريقة عجيبة، كوصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، والتقارب المرتقب بين أمريكا وروسيا، ونمو إرهاب متسارع، إرهاب على مستوى الدولة كما هو شأن سوريا وإيران، أو إرهاب فردي سهل الوقوع، كما هو شأن مقتل السفير الروسي في تركيا، وقتل الأبرياء الألمان بواسطة شاحنة.
إن إصلاح الأمم المتحدة هو شيء ضروري، ولكن يبقى رهينا برغبة الدول الثلاثة الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، فهاته الدول مجتمعة ستظل الركائز الأساسية لأية رغبة في الإصلاح، كما أنه يبقى رهينا بالرغبة المشتركة لدول الجنوب واجتماعها على البلدان التي يمكن أن تمثلها بصفة دائمة داخل مجلس الأمن. الحكامة الدولية صعبة الممارسة والتطبيق والتأصيل ولكن تطويرها أمر لا مفر منه، والأمم المتحدة رغم ما يمكن أن يكتب أو يقال هو المكان الوحيد لتفعيل هاته الحكامة الدولية.
عندما ألقى الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كي مون» كلمة الوداع في الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس ، قبل انتهاء فترة ولايته في نهاية هذا الشهر، شدد على قوة التعاون الدولي في مواجهة التحديات الملحة، مسلطًا الضوء على خطة 2030 للتنمية المستدامة، واتفاقية باريس حول تغير المناخ، باعتبارهما من إنجازاته خلال فترة العشرة سنوات التي تولى فيها منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وأعرب الأمين العام السابق للأمم المتحدة، عن «قلقه البالغ» إزاء الأنباء عن تقارير غير مؤكدة حول ارتكاب فظائع ضد عدد كبير من المدنيين بينهم نساء وأطفال في مدينة لب شمال سوريا. وقال في خطابه «كما قال بعضكم، فإنني طفل الأمم المتحدة، بعد الحرب الكورية، إن مساعدات الأمم المتحدة أطعمتنا وكتب الأمم المتحدة علمتنا، وبالنسبة لي فإن سلطة الأمم المتحدة لم تكن أبدا مجرد نظرية أو شيء أكاديمي». وتابع قائلاً: «إن هذا التقدير العميق ترعرع أكثر قوة يوما بعد آخر خلال خدمتي في الأمم المتحدة، وخلال العشر سنوات الماضية بقيت أتشرف بالخدمة بجانب العديد من النساء والرجال الشجعان والموهوبين والمتفانين للأمم المتحدة».
وأياً كان طفلاً أو أبا للأمم المتحدة فإن معايير اشتغاله كأمين عام للأمم المتحدة لم تسعفه في تجسيد دور الأمم المتحدة الأول وهو تحقيق السلم في العالم، خاصة وما تملكه من آليات لا يعلى عليها لتحريك عجلة التدخلات لإرغام مرتكبي الحماقات وجرائم الحرب ضد البشرية من التوقف وتقديمهم للمحاكمة.. الصور التي تأتينا على قنوات التلفزات العالمية من داخل حلب لا يمكن وصفها، فهي بشعة ولا إنسانية ولو كان للأمم المتحدة مثقال ذرة من الإنسانية لما وصل بشار ببلده إلى هاته المرحلة حيث جاس خلال الديار ورحل أكثر من نصف شعبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. بعد انتهاء التصفيق بنهاية كلمة «بان كي مون»، أدى «أنتونيو غوتيريس» يمين توليه المنصب.. وبعد انتهاء الجلسة، التقى «غويتيريس» بالصحفيين للكشف عن خططه المستقبلية.. وأكد مما أكد عليه أن حقوق الإنسان والتنمية المستدامة والحفاظ على السلام هي الأضلاع الثلاثة لنفس المثلث الذي تعتني به الأمم المتحدة، وهو ما سيتفانى في تثبيته.. ولكن قارن معي: لا في كلام الأمين العام السابق ولا الجديد إشارات إلى إصلاح مجلس الأمن ولا إلى الأدوار الجديدة وميكازمات أخذ القرارات التي يمكن تبنيها لاحقاً لدمقرطة العمل الأممي.. فهما يعرفان محدودية عملهما والخطوط الحمراء التي رسمتها القوى الدولية الثلاث سالفة الذكر لعمل الأمين العام وللمنظمة بأسرها.. الإصلاح لن يكون سهلاً في العقد المقبل من حياة المنظمة، وسيبقى مقبوراً في أوراق المحللين وفي أروقة الجامعات التي تدرس القانون والعلاقات الدولية إلى حين.