كم من كتاب كريم (غاب قارئه)
قد أُلبس الترب والآجر والحجرا
وهذا سبيل العالمين جميعهم
فما الناس إلا راحل بعد راحل
فبينما كنت أقلب صفحات جريدة الجزيرة صباح يوم الخميس 9-3-1438هـ إذ بنبأ رحيل الدكتور الفاضل إبراهيم بن محمد الزيد وكيل إمارة منطقة الباحة -سابقاً- وأحد طلاب دار التوحيد بالطائف منذ عقود طويلة من الزمن، فتأثرت كثيراً لرحيل وغياب ذاك الرجل الكريم المولع بقراءة الكتب واقتناصها من مظانها الذي انتقل إلى رحمة الله مساء يوم الثلاثاء 7-3-1438هـ بعد معاناة طويلة مع المرض..، وأديت صلاة الميت عليه بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 8-3-1438هـ في المسجد الحرام وتم دفن جثمانه الطاهر بمقبرة شهداء الحرم بمكة المكرمة -تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته- وكانت ولادته في مدينة مرات بنجد عام1357هـ بلد آبائه وأجداده، وقد عاش أول طفولته بها بين أحضان والديه، ومع لدّاته ورفاقه، وحفظ ما تيسر من كتابه الله العزيز، ثم انتقل مع أسرته إلى مكة المكرمة ليأخذ والده بأسباب البيع والتجارة مجاوراً لبيت الله الحرام، ثم ألحقه بالمدرسة الخالدية الابتدائية وبعد حصوله على الشهادة بها تقدم بطلب لفضيلة مدير المعارف العمومية الشيخ العلامة محمد بن عبدالعزيز المانع مبدياً رغبته في الالتحاق بمدرسة دار التوحيد بالطائف فَسُرّ الشيخ على ما لمحه فيه من مخائل الذكاء والحيوية، فأجرى معه مقابله خفيفة ليأنس بمستواه لمسايرة زملائه بالدار، لأن مناهجها تتسم بالمتانة والجودة، ثم وجهه إلى مدير المدرسة بالطائف مديرنا الشيخ عبدالمالك الطرابلسي لاعتماد قبوله..، وبعد حصوله على الشهادة النهائية بها عام 1377-1378هـ التحق بكلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة حتى نال الشهادة العالية بتفوق عام 1381-1382هـ ثم حصل على الدكتوراه من جامعة إكستر من بريطانيا، فعمل كبير مفتشي إدارة التعليم بالطائف فترة من الزمن...، ثم انتقل في مواقع أخرى : رئيساً لديوان إمارة عسير وأستاذاً مساعداً للتأريخ بجامعة أم القرى، ووكيلاً لإمارة منطقة الباحة، ثم أميراً بالنيابة لمدة تقرب من عامين لما يتمتع به من حنكة ودراية بأحوال الناس..، ولقد أحسن الشاعر حيث قال ناصحاً لممدوحه:
عليك بأرباب الصدور فمن غدا
مضافاً لأرباب الصدور تصدرا
ثم انتقل أستاذا مشاركاً في قسم التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وعضواً مؤسساً في نادي الطائف الأدبي، وله مؤلفات عدة شعرية ونثرية، منها ديوان المحراب المهجور 1398هـ، وديوان أغنية الشمس 1399هـ وجراح الليل 1402هـ.
ومن المؤلفات: قراءات في شعر الشيخ سليمان بن سحمان، وبهجة المهج في بعض فضائل الطائف..، وتاريخ الشيخ محمد بن عبدالله أحمد المنصوري، والمنتخب في ذكر أنساب قبائل العرب للشيخ عبدالرحمن بن حمد بن زيد المغيري, وكتب عديدة من الأبحاث منها: الرئاسة في قبيلة زهران من القرن الثالث عشر -معاهدات بني سار في العصر الحديث- فأبو خالد -رحمه الله- يُعد دائرة معارف واسع الأفق مصقول المواهب، وكان سهل الجانب يتمتع بأخلاق عالية وتواضع وأدب جم رفيع، وكنت أراه في مكتبة المعارف بمدينة الطائف لصاحبها صديقنا الأستاذ الكبير محمد سعيد كمال، في بعض الإجازات الصيفية، فهو ينتقل منها إلى مكتبة السيد المؤيد المشهورة الواقعة في الجزء الشرقي، وعلى مقربة من الشارع العام شرقاً فكلا المكتبتين العريقتين موردٌ عذبٌ، ومقصد للقراء والأدباء لاحتوائهما على كثير من نوادر الكتب، وبعض المخطوطات -آنذاك- ولاسيما في المواسم الصيفية فأنا أنتهز فرصة الاجتماع به والتحدث معه وعن ذكرياته الجميلة أثناء دراسته بدار التوحيد، فيقول ما أحلى تلك الأيام أيام الجد والمثابرة في تلقي المواد الدراسية وشرحها من أفواه تلك النخبة المختارة من فطاحل علماء الأزهر الأجلاء:
قم في فم الدنيا وحي الأزهرا
وانثر على سمع الزمان الجوهرا
وقد رثاه شقيقه الدكتور الوفي عبدالله بن محمد الزيد بكلمة تأبينية جزلة أفاض فيها عن مآثره وعن سيرته الحسنة مُختتماً تلك الكلمة بقصيدة تحمل في ثناياها مدى حزنه وحزن أسرته على رحيله وبعده عن نواظرهم داعياً المولى له بطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله لجميع الخلائق بالنهوض من مضاجعهم ليوم الحساب..
هنيئاً له قد طاب حياً وميتاً
فما كان محتاجاً لتطييب أكفاني
ورحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وألهم إخوته وأبناءه وعقيلته وجميع أسرته الصبر والسلوان.
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف