الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نجاحات متواصلة تحققها الأجهزة الأمنية في قبضها على مروّجي المخدرات والمستخدمين لها، ومنجزات أخرى تسطّرها في إحباط إدخال السموم المميتة عبر منافذ المملكة البريّة والبحريّة والجويّة. من قِبل عصابات المافيا إلى الوطن مستهدفة شبابه.
وفي الوقت الذي تكافح فيه قطاعات الدولة «المخدرات» بكافة أنواعها وأشكالها تظل الحاجة قائمة إلى تكثيف التوعية بهذه السموم التي تؤثر على الفرد والمجتمع.
«الجزيرة».. ناقشت القضية من حيث أضرارها الجسيمة، وأهمية كشفها على الدوام لبيان مخاطرها.
كبائر مهلكة
بدايةً يبيّن فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أنّ من الجرائم العظيمة، والكبائر المهلكة والذنوب المفسدة للفرد والمجتمع المخدِّرات والمسْكِرات، فما وقع أحد في شباكها إلا دمرته، ولا تعاطاها أحد إلا أفسدته بأنواع الفساد، ولا انتشرت في مجتمع إلا أحاط به الشر كله، ووقع في أنواع من البلاء، وحدثت فيه كبار الذنوب، ووقعت فيه مفاسد يعجِز عن علاجها العقلاء والمصلحون، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها أم الخبائث»، وروى الحاكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر» وقال حديث صحيح.
فالمخدرات بجميع أحوالها شددت الشريعة في الزجر عنها وتحريمها؛ لما فيها من الأضرار والتدمير، ولما فيها من الشر، ولما تُسبِّب لمتعاطيها من تحوله إلى إنسان شرير يُتوقَّع منه الإفساد والجريمة، ولا يُرْجى منه خيرٌ، وقد نادى عقلاء العالم بإنقاذ المجتمعات من وَيْلات المخدرات لما شاهدوا من الكوارث.
أضرار المخدرات
ويؤكّد الشيخ علي الحذيفي أنّ ضرر المخدرات على متعاطيها وعلى المجتمع كثير لا يحصر إلا بكلفة، ومن ذلك: ذهاب عقله - والعقل هو ميزة الإنسان عن البهائم - ومن ذهب عقله أقدم على الجرائم وتخلى عن الفضائل، وتبدُّل طبائع الإنسان ومسخُه إلى شيطان من الشياطين، وتخليه عن صفات الصالحين، السفه في التصرف؛ فيفعل ما يضره ويترك ما ينفعه، قد قاده الشيطان إلى كل رذيلة، وأبعده عن كل فضيلة، وفساد التدبير؛ فيفقد الفكر الصحيح والرأي السديد، ويحجب عن عواقب الأمور ولا ينظر إلا إلى لذة الساعة التي هو فيها - وإن كان فيها هلاكُه وضرره وحتفه -، وفقدانه للأمانة وتفريطه فيما يجب حفظه ورعايته؛ فلا يؤمن على مصلحة عامة، ولا على أموال ولا على عمل، ولا يؤمن حتى على محارمه وأسرته لأن المخدرات قد أفسدت عليه إنسانيته - والعياذ بالله -، وأن يكون متعاطيها عالةً على المجتمع، لا يقدم لمجتمعه خيراً ولا يفلح فيما يُسْندُ إليه، وأن يكون متعاطيها منبوذاً ومكروهاً حتى من أقرب الناس إليه، وتبديده لماله وعدم قدرته على الكسب الشريف فيلجأ إلى كسب المال بطرق إجرامية، نسأل الله العافية، وتدهورُ الصحة العامة، والوقوعُ في أمراض مستعصية تسلم صاحبها إلى الموت، وفقد الرجولة، والميل إلى الفجور من الرجل أو المرأة، وقِصرُ العمر لما تسببه من تدمير لأجهزة البدن، ولما يعتري صاحبَها من الهموم والاكتئاب، ومن أعظم مضارِّ المخدرات: ثقل الطاعة وكراهيتها وبغضها، وكراهية الصالحين وبغضهم وعدم مجالستهم، والبعد عن مجالس الذكر ومواطن العبادة، وحب الجرائم وإلف المعاصي، ومصاحبة الأشرار وصداقتهم ومودتهم، وتسلّط الشياطين على متعاطيها، وبُعْد ملائكة الرحمة عنه حتى تورده جهنم؛ قال الله - تعالى - : {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} (الزخرف: 36 - 39).
ومن أضرارها حلولُ اللعنة لمتعاطيها إلا أن يتوب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله الخمرَ وشاربها وساقيها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها»، وفي الحديث: «من شرب حسوة من خمر لم يقبل الله منه ثلاثة أيام صرفاً ولا عدلاً، ومن شرب كأساً لم يقبل الله صلاته أربعين صباحاً، والمدمن الخمر حقٌّ على الله أن يسقيه من نهر الخبال، قيل: يا رسول الله، وما نهر الخبال؟ قال: صديدُ أهل النار»؛ رواه الطبراني، وفي الحديث: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: مدمنُ الخمر، وعابد وثن، ومدمن الخمر والديوث»، والمخدرات أعظم من الخمر؛ فالنهي عن الخمر نهيٌ عن المخدرات والوعيد على الخمر وعيد على المخدرات، حيث إنّ من أضرارها على المجتمع: فُشُوُّ الجرائم المتنوعة فيه، وانتشار الفواحش والمنكرات، وضياع الأسر وانحراف الناشئة؛ لأنهم بدون عائل يسلكون الغواية، ونزول العقوبات والفتن؛ قال الله - تعالى -: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25).
العقوبات القاسية
ويؤكّد فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح الحميد رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض أنّ جميع الدعوات سواء كانت دينية أو إصلاحية، وكذا علماء التربية والاجتماع والطب. اتفقت على أن للمخدرات أضراراً فتاكة سواء على الأفراد أو المجتمع أو الأمة، لما تخلفه المخدرات من تدمير للقيم والمثل، ولما تلحقه من هلاك للمستعمل وللمجتمع، فما دخلت المخدرات مجتمعاً إلا رافق ذلك سيل هائل من الجرائم، وإن أعظم ثروات الأمة شبابها من ذكور وإناث، وإذا فقدت الأمة شبابها وانغمسوا في المخدرات فعلى هذه الأمة السلام، ومن هنا جاء الإسلام بقيمه ومثله وبتربيته وتهذيبه. ليواجه هذه الآفة ويعاقب من يروّج لها أو يتعاطاها أو يتاجر بها أشد العقاب.
ويذكر الشيخ الحميد أنّ العقوبة القاسية جاءت لتحارب هذه الآفة بكل وسائل المحاربة، ونلمس آثار هذه العقوبة القاسية في ردع من تسوّل له نفسه العبث بأمن المجتمع، وترويج هذه الآفة الخطيرة، من خلال تجربة المملكة الرائدة في هذا المجال، فمنذ زمن طويل، سبقت دولاً كثيرة في محاربة المخدرات، عبر وسائل عدّة تنطلق في ذلك من رسالتها الإسلامية، فالمملكة تحرص في مناهجها على غرس الإيمان في نفوس الناشئة، وعلى غرس القيم الإسلامية، وفي نفس الوقت تقوم على نشر الوعي بين عموم أفراد المجتمع، وبيان مضار المخدرات وآثارها المدمرة، وتقوم أيضاً في التشديد في عقوبة المستعمل والمروج والمهرب للمخدرات. ومن ذلك قرار هيئة كبار العلماء رقم (138) الذي حدّد عقوبات المهرب لهذه السموم، وأن العقوبة قد تصل إلى القتل.. كل ذلك أسهم في التخفيف من آثار هذه الآفة، وحماية المجتمع منها، إلا أن المجتمع كله مطالب ببذل الجهد الكبير في التحذير منها، والتوعية بأضرارها، فللبيت دوره، وللمدرسة دورها، وللمسجد دوره، وللإعلام دوره، وإذا تضافرت هذه الجهود وصدقت النيات، سوف تحمى بإذن الله بلادنا وشبابنا وأمتنا من هذه الآفة الضارة.
السموم الخطرة
ويقول الأستاذ محمد بن صالح الحمادي المدير التنفيذي لمستشفى الحمادي بالرياض أنّه لا يختلف اثنان على أن تعاطي المخدرات، وإدمانها تقضي على الاستقرار الاجتماعي حيث إن الأضرار لا تصيب المتعاطي وحده بل تؤثر على بقية أفراد المجتمع وذلك لأن مدمن المخدرات لا يتورع عن سلوك أي طريق لتأمين احتياجاته من هذه السموم الخطرة فقد يلجأ للسرقة من أقرب أقربائه، ويلجأ للعنف الذي قد يصل حد القتل، وقد يلجأ لهتك الأعراض، أو الاغتصاب مع أقرب الأقربين له من المحارم وغيرهم. وذلك لأن ذهاب العقل الذي يجر إلى اللا مبالاة مما يؤدي إلى عواقب وخيمة للغاية.
والمخدرات سموم زعاف وضعها أعداء الوطن هدف إستراتيجي للنيْل من المملكة وضربها في شبابها وجرهم إلى هذه الأفعال القذرة المشينة مما يتطلب تحركاً سريعاً لمواجهة هذه الآفات الخطيرة من كافة مؤسسات المجتمع، فالجهات الأمنية والرقابية تبذل جهوداً كبيرة وعظيمة في التصدي للمروجين عبر منافذ المملكة البرية والبحرية والجوية وتضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن الوطن ومقدراته، ولكن هذا لا يكفي وعليه أن تتضافر جهود المجتمع بأسره لمحاربة المخدرات هذا البحر العميق الذي يغرق العالم أكثر، وهنا يتطلب وضع إستراتيجيات دائمة تكون الوقاية الهدف الأول لتوعية المجتمع وتبصيره من كافة المؤسسات في المجتمع، وأن لا تكون وقتية فبلادنا مستهدفة من مافيا وعصابات إجرامية تنهج أساليب وطرقاً لإدخال هذه السموم الخطيرة لبلادنا الغالية كما أوضحتها وسائل الإعلام من خلال الضبطيات التي نجح رجالات الأمن الأبطال في كشفها.
ولا شك أن المخدرات تؤثر على المجتمع والدولة أكثر وخطرها أعظم من الفتنة لأنها تؤثر على العقل ويكون ذلك لأن المستعمل لا يميز ويفقه ويتصرف بدون شعور ولا إرادة، وأنه ينبغي تغيير الأساليب والطرق والتوعية بأضرار المخدرات وما تسببه من جرائم عظيمة يهدف الأعداء من ورائها تفتيت المجتمع من الداخل.