أحمد بن عبدالرحمن الجبير
يأتي الإعلان عن ميزانية المملكة 2017م، في ظل ظروف اقتصادية، ومالية عالمية وإقليمية معقدة بسبب هبوط أسعار النفط، وركود الاقتصاد العالمي، والأزمات الإقليمية والعالمية المحيطة بنا، غير أننا متفائلون جداً، ومصدر هذا التفاؤل الاتفاق على خفض إنتاج النفط، والذي كان ثمرة توافق سعودي - روسي، وقد يعزز التعاون بين الطرفين في قضايا سياسية اقليمية، ودولية مستقبلاً.
كما أننا بحاجة لخفض العجز، ودعم الإنفاق على المشروعات، والنمو الاقتصادي، والقطاع الخاص، وتنويع مصادر الدخل، وخلق وظائف أكثر للمواطنين، حيث إن سياسة التقشف والترشيد قد نجحت في تقليص حجم العجز المتوقع، وتحقيق ميزانية متوازنة، حيث يتوقع الاقتصاديون وبيوت المال والخبرة خاصة الاستثمار كابيتال أن العجز، في ميزانية عام 2017م يقدر بنحو 235 مليار ريال.
أما الفرنسي كابيتال فتوقع مبلغ 231 مليار ريال، فيما توقعت جدوى للاستثمار عجزاً وقدره 265 مليار ريال، مما يدل على أن العجز قد يصل بحسب تلك التوقعات نحو 240 مليار ريال في المتوسط، أو ما يعادل 10 % من الناتج المحلي، وهو أقل من العجز الذي بلغت نسبته 15 % من الناتج المحلي العام الماضي، الأمر الذي يشير إلى إيجابيات سياسات التصحيح والترشيد الاقتصادي المستخدمة رغم صعوبتها.
ورغم العجز المتوقع في الميزانية نتيجة هبوط أسعار النفط، وتكاليف الحرب في الحد الجنوبي إلا أننا بحاجة ماسة لنتجاوز هذه التحديات التي نعيشها، فالمملكة قادرة على تجاوز هذه الصعاب، والمشاكل بحمد الله، وبالإرادة السياسية الحازمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- خاصة في حديثه الأخير لمجلس الشورى، حيث أكد على خدمة المواطن، وحمَّل الوزراء كامل المسؤولية عن أي تراخٍ إداري، وطالبهم بضرورة الإنجاز، وعدم التقصير في إنجاز المشروعات القادمة.
كما أن تصحيح الأوضاع الاقتصادية ليس أمراً سهلاً، ولا يمكن ترك أمورنا دون تخطيط فالسنوات التي مضت لم نوظف فيها الوفر بشكل ناجح، وبعضه ذهب هدراً في مشروعات غير إنتاجية والمشروعات التي تمت ليست بمواصفات عالية إلا القليل منها، حيث إنها لم تركز على الإنتاج والصناعة والاستثمار، وعليه جاءت الرؤية السعودية 2030م التي يقودها سمو ولي ولي العهد بكل اقتدار، والتي تركز على تنويع مصادر الدخل، والخصخصة والاستثمار فيما نملك من احتياطي من الأوراقِ والسنداتِ المالية الأجنبية، والودائع لدى المصارف الأجنبية، وصناديق الاستثمار، والشركات العملاقة، والتي جميعها سوف تسهم في بناء اقتصاد سعودي قوي.
لذا يجب علينا كمواطنين أن ندرك أن إصلاح الاقتصاد الوطني يفرض علينا مرحلة جديدة من التحديات، مما يجعلنا نصنع مستقبلاً للمواطن السعودي، حيث إن كل هذه الإجراءات والسياسات الاقتصادية والتقشفية سوف تحمينا من مخاطر، وتقلبات الاقتصاد العالمي في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية، والتي تتطلب منا مزيدًا من الصبر والتحمل، والتعاون فيما بيننا لبناء اقتصاد وطني قوي ومتين من خلال التحول الاقتصادي 2020م، وتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط.
لقد سعت الدولة -أعزها الله- لزيادة الإيرادات غير البترولية نحو التحول الاقتصادي وفقا للرؤية السعودية2030م، وتلبية متطلبات اقتصاد المعرفة، وتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب، والاعتماد على الكفاءات الوطنية، وضبط الإنفاق ومراقبة الأداء، ومحاسبة المقصرين والموازنة بين الإيرادات، والمصروفات حتى يتحسن وضع الاقتصاد العالمي، ودون المساس بالمشروعات الخدمية، التي تمس المواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود.
ولا شك أن العجز في الأرقام لا يعني ضعفاً في الاقتصاد الوطني، ويمكن معالجته عن طريق الاقتراض من البنوك المحلية أو السحب من الاحتياطي العام، كما أننا نمتلك موارد عديدة، وهامة يمكننا التعويل عليها مستقبلاً من خلال السياسات، والدراسات الإستراتيجية الضخمة التي أقرها مجلس الاقتصاد والتنمية برئاسة سمو ولي ولي العهد، والتي تتعلق بتنمية الاستثمار في الإنسان السعودي، وتمثّل أحد أهم دعائم النهضة الاقتصادية.
فتوجيهات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بالاهتمام بالمواطن، والاستماع لشكواه، وعمل الحلول العاجلة لأبرز مشكلاته، وهمومه بالعمل على كبح معدلات ارتفاع التضخم، والسيطرة على موجة غلاء الأسعار، وبخاصة المواد الغذائية، والسلع بكافة أنواعها، وترشيد الاستهلاك في الماء والكهرباء والطاقة، وإيجاد حلول سريعة لمشكلة الإسكان، ومشكلة الخدمات الصحية من الازدحام.
وهذا يتطلب مزيدا من الشفافية، والمسؤولية ومكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، وتفعيل دور نزاهة، ومجلس الشورى في مراقبة المشروعات، والتعيينات في المناصب، فمعالم القوة السعودية عديدة مادية واقتصادية ومعنوية، ولا اختلاف عليها بين مختلف السعوديين، وما تحقق من تنمية واقتصاد، ومدن جامعية وصحية واقتصادية ومالية، هو نتاج و إنجاز وطني يمكنها ان تساهم في انتقالنا إلى الصناعة المتقدمة، والتطور الاقتصادي بنجاح، وعلينا أن نؤسس المعاهد، والجامعات التقنية، وبرامج إدارة وريادة الإعمال بمضامين عالمية.