هاني سالم مسهور
على أنقاض حلب ظهر قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سُليماني يتجول على رماد مدينة أحرقتها نار الطائفية التي عبرت الجسد العراقي إلى التراب السوري لتصنع مأساة الشعب السوري قتلاً وتهجيراً، كامل الجريمة التي حصلت في سوريا لم تكن لتحدث لولا حُلم الإمبراطورية الفارسية التي كشفت وجهها العبوس من تدخلات إيران في الشؤون العربية: العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، أخذت نصيبها من هذا التدخل السافر بعد أن ركب الإيرانيون صهوة الإرهاب الجامح نحو البلاد العربية.
صورة سُليماني في حلب المحروقة هي كتلك الصور التاريخية الشهيرة المحفورة في الذاكرة العربية لكل من وزير الدفاع الإسرائيلي السابق آرييل شارون خلال اجتياح بيروت العام 1982م، بل وصورته عند قلعة الشقيف في الجنوب اللبناني، وأيضاً صورة الجنرال الإسرائيلي موشيه دايان في القدس قبل نصف قرن، تحمل الصور دلالات عميقة لواقع الاحتلال الإيراني في البلاد العربية ونفوذ طهران الكبير على الأرض، فأول قيادي بارز من حلف الممانعة يدخل حلب كان إيرانياً وليس روسياً، الأفراح الإيرانية لم تتوقف عند صور سليماني، بل أخذت منحى المبالغة في تعظيم القوة الإيرانية، فنشرت صحيفة «وطن أمروز» الإيرانية المقربة من الحرس الثوري «أن الذين لم يفرحوا بنصر إيران في حلب، لا ينتمون إلى الإسلام ولا ينتمون إلى دين محمد»، مضيفة أن «النبي محمد شارك في معركة حلب، وأن المجاهدين الذين شاركوا في المعركة أقاموا صلاة الفتح خلفه»، هذا هو ما تراه إيران بعينها القومية الفارسية، وبنيران طائفيتها الشريرة.
مشهد الميليشيات الإيرانية والطائفية غير السورية التي تقف على أطلال حلب الشرقية، يشير إلى أنّ الحرب السورية تدخل مجدداً في فصل جديد من الموت والدمار، وستشهد سنوات آتية أشدّ وأقسى على السوريين وعلى محيطها العربي. والصور التي تناقلتها وسائل الإعلام لقائد فيلق القدس قاسم سليماني في أحياء حلب المدمرة، أو أمام قلعة حلب الشهيرة، ليست إلاّ إصراراً على تأكيد البصمة الإيرانية والطائفية فوق ما نال حلب من إبادة لم تنلها مدينة في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وإلى هذه البصمة الإيرانية الاستعراضية على الإبادة في حلب ميدانياً، هذا السلوك الإيراني وتعبيراته الميدانية والإيديولوجية في الحرب السورية ولا سيّما في المشهد الأخير في حلب، يشير بوضوح إلى أنّ إيران تستعد لحرب طويلة في سوريا.
إذ ليس في هذا المشهد المترافق مع سلوكيات مذهبية بدأت بالانتشار والتوسع حيثما حلّت قوة إيرانية أو ميليشيا مؤيدة لها، إلاّ إيذان بأنّ خيار تمزيق المجتمعات أصبح الوسيلة التي تعتمدها إيران لفرض حضورها كلاعب أساسي في المنطقة.
فالشروخ المذهبية آخذة في التوسع، فيما روسيا التي دخلت بالتنسيق مع إيران إلى سوريا، باشرت عبر طائراتها بأضخم عملية تدمير لحلب، وللمفارقة يتنافس الحليفان الروسي والإيراني كلّ بطريقته على إثبات أنّه هو الذي دمر وقتل وهجر أكثر من حليفه، بعدما غاب المعيار الإنساني الدولي عن أن يكون سبيل محاسبة المرتكب، لحساب معيار القوة، وكلما كانت غاشمة فرضت حضورها دولياً.