زكية إبراهيم الحجي
يبدو أن روسيا التي أنجبت «غاري كاسباروف» بطل العالم في لعبة الشطرنج، والملقب بوحش باكو، استطاعت أن تُنسي دول الغرب وأمريكا والعالم أجمع شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها قبل أكثر من عامين إلى حدودها الجغرافية غير عابئة بردود أفعال عالمية، تستنكر وتدين سياسة بوتين المتمثلة في ضم شبه جزيرة القرم إلى جغرافية أرضه. لكن رُبّ سائل يسأل: وما علاقة البطل الروسي في لعبة الشطرنج بسياسة بوتين الخارجية؟ وما هو دوره في عملية ضم شبه جزيرة القرم؟ ورُبّ سائل آخر يسأل: أي دور لعبه لاعب الشطرنج الروسي في لعبة الشطرنج الدموية على الأرض السورية؟
بعد سنوات من براعة أساليب الهجوم والمنافسة الحادة بين «غاري كاسباروف» وغيره من أبطال عالم لعبة الشطرنج، وبعد سلسلة من انتصارات كان يتوج في غالبيتها بطلاً، توقف عن ممارسة هذه اللعبة؛ ليتفرغ للكتابة. ففي عام 2005م صدرت له مجموعة كتب، لكن أبرز كتبه كان كتابه الشهير «الشتاء قادم»، الذي صدر قبل عام تقريبًا.
الشتاء قادم عمل كُتب بأسلوب هجومي عدائي، يناهض فيه الكاتب سياسة بوتين. يقول الكاتب: «من الواضح أن روسيا بقيادة بوتين تشكل أكبر التهديدات التي يواجهها العالم اليوم، وأكثرها خطورة على الشعوب». ويستطرد الكاتب وبطل الشطرنج الروسي قائلاً: «وكما في أوكرانيا سيبقى بوتين في سوريا إلى حين لا يعود هذا ملائمًا له. وإن الرئيس الروسي لا يملك أي أهداف استراتيجية سوى نشر الفوضى وإضعاف حلفاء العالم أنى تسنى له ذلك». بل إن البطل الروسي كاتب السطور كان يحض على ثورة روسية شعبية للإطاحة به، وتغيير النظام بأكمله. كان يخاطب الشعب الروسي من خلال الشتاء قادم قائلاً: «توقفوا عن تدليل أنظمتكم. ولا بد أن يفهم الشعب الروسي ونخب بوتين ألا مستقبل لهم ما دام هذا الرجل متسيدًا في الكرملين وماسكًا بزمام السلطة» انتهى.
ولأن الشطرنج لعبة استراتيجيات هجومية مباغتة، برع فيها هذا اللاعب الروسي براعة نادرة، فقد جعلته يخشى من لعبة الأطماع الروسية المستندة إلى منظومة قيم وأفكار استعلائية، يقودها بوتين، وساعدته على ذلك خطوات من حالة فقدان التوازن الدولي الناجم عن تمدد رقعة الحرب على الإرهاب، وباركته وشاركت معه أنظمة تحالف ثلاثية الأضلاع (خامنئي.. الأسد.. نصر الله).
فصل المقال يكمن في رخاوة المجتمع الدولي ضد روسيا، فعلى الرغم من الزخم الإعلامي الذي يروج له من خلال جلسات مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة إلا أن نتائج هذه الجلسات تفتقر إلى تفعيل وتمكين ووصف دقيق لواقع حجم الأزمة المشتعلة في الأراضي السورية؛ ما دفع روسيا وبمشاركة حلفائها إلى أن تحول أرض سوريا إلى مستعمرة، يرفرف عليها علم روسي وإيراني وعلم حزب الله.
احتلال حقيقي يمارَس فيه أبشع أنواع التعذيب والتنكيل.. القتل والتجويع والتشريد والتهجير.. مطحنة بشرية على الأرض السورية، وأمام مجتمع دولي يلوذ بالصمت.. الله معك يا ثرى الشام.