د.محمد بن سعد الشويعر
استكمالاً لحديثنا في الأسبوع الماضي عن الفكر والعقيدة ومفاهيمها المختلفة، فإن المفكرين من المسلمين، والمدركين من علمائهم إذا لم يتصدوا للأمر، ويكونوا سداً منيعاً في الوقوف أمام هذا الزحف، فإن الله سيضرب قلوبهم بالغفلة، وأفكارهم بالبلادة، ويسلط بعضهم على بعض، ويعاقبهم بأفعالهم كما جاء في الحديث القدسي: (من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني).
وحتى لا ينجذب أبناء الإسلام سراعاً وبفعل أيديهم، ويقعوا كما يقع الفراش في النار، نحو دلالة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخبر به، على أنه حقيقة واقعة لا محالة. فهو -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى إنما يأتي به وحي يوحى إليه من ربه وذلك حين قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه) قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» أي: فمن المعنى غيرهم؟!
فإن للمسلمين فكراً يجب أن ينطلقوا منه، ودوراً نحو التعمق في كل ما يوجه لأمتهم يجب أن يعرفوه، ومكانة للعارفين تفيدهم في المحاربة والتصدي، وتفضح المتلقين والتشهير بهم، حتى لا يستشري في المجتمع الإسلامي ما وجه للأمة، وحتى لا تصبح الأفكار الوافدة، عادة تتحمس لها فئة وتستأنس بها فئة أخرى.
وقد وردت مادة (فكر)، ومشتقاتها في كتاب الله ما يقرب من عشرين مرة، كما جاءت هذه الدعوة للفكر في القرآن والسنة، لكي تكون حجة على أعداء الله الذين يستعملون فكرهم في الشر والعناد، بينما المنهج التشريعي، دعوتهم إلى أن يسترشد العقل، ويتمعن القلب، في دعوة للفكر السليم، حتى تقوم الحواس بمهماتها الأساسية، لا أن تنحرف عن المسار الذي تحرص عليه شريعة الإسلام، ويهتم بترسيخه أنبياء الله في أممهم، لمن أراد الله هدايته.
ثم تأتي آيتان بدعوة موحدة للفكر بأن يستقيم على فطرته السليمة، دون أن يحرفه العناد، أو قرناء السوء، أو اتباع الهوى، وما سار عليه سلفهم، يقول سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (219) سورة البقرة، فدعوة التفكر هنا، من أجل الموازنة بين النافع والضار، والخير والشر، وسلامة العقل.
إذا المرء كانت له فكرة
ففي كل شيء له عبرة
ومن هنا ندرك أن الأفكار التي دخلت المجتمع الإسلامي فيما بعد، لم تأت إلا مصاحبة لثقافات الأمم وعقائدها، كما أوضح ذلك (الشهرستاني) في كتابه: «الملل والنحل»، وابن حزم في كتاب: «الفصل في الملل والنحل» وأن أي فكر يغاير فكر الإسلام الصحيح، فهو فكر قاصر يحتاج إلى من يفضح مراميه، ويبين الأبعاد من ورائه في مجالات الحياة وأهمها ما يتعلق بالمعتقد التعبدي، وفكر فاسد، وصاحبه يدعو إلى الضلال.
في الحديث الصحيح: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) رواه الحاكم في مستدركه.
نسأل الله تعالى أن يعين أبناء الإسلام على اختلاف مستوياتهم في الحياة على إدراك حقيقة الإسلام وفهمه، والانطلاق من فكره، ومحاربة الأفكار الهدامة، والدعاوي المضللة التي يراد بها مباعدة المسلمين عن دينهم، وتخفيف الوازع الديني من قلوبهم، وإثارة الفرقة والفتن في مجتمعهم، حتى يسهل على أعدائهم النفاذ إلى مجتمعهم، والسيطرة عليهم.