سامى اليوسف
لا ينتظر، ولا مفر منه، ذلكم هو الموت، كفى به واعظاً، فهو الواعظ الصامت، وهو حق، سنّة تجري على العباد يتخطانا إلى غيرنا، ولا نعرف متى يتخطى غيرنا إلينا؟، وعند وقوعه، فإنّ عمل ابن آدم، وصِلته بالدنيا تنقطع إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، وعلم نافع، وابن صالح يدعو له. الدعاء والصدقات والأعمال الحسنة من القُربات التي لا ينقطع أثرها.
قبل أيام قليلة، ودعنا الشاب «فيصل الضويان»، وهو في مقتبل العمر وربيعه. وُلد فيصل، وتعلم، ثم تخرج، وتوظف، واقترب من الزواج ولكن أجله كان أقرب. شريط مرّ أمامي كلمح البصر، لم تغب عني وأنا أستعرض شريط الذكريات ابتسامته، بشاشته، وتذكرت أدبه وحسن تعامله، وبره. حزنت لفقده، وحزنت أكثر لحزن والديّه .. الأخت الغالية أم فيصل، والرجل العصامي «عبد الله» والده..
لم يخفف هذا الحزن سوى التفاف الأحباب والأصدقاء بمشاعرهم الصادقة حول أسرته، ولكن مبادرة أصدقاء «فيصل» الوفية كانت أبلغ، فقد قرروا إطلاق مشروع الصدقة الجارية لصديقهم الذي رحل عنهم، واستهدفوا «قروبات الواتس الرائدية» حيث المدرج الذي هتف الفقيد فيه كثيراً لفريقه المفضل ليعرضوا الفكرة، ويحرزوا التفاعل، وكم كان سريعاً.. وكبيرًا بل ومفرحاً هذا التفاعل، وزاد من مساحة سعادتي أن عدداً من الجماهير التعاونية بادرت في دعم هذا المشروع بأرقام لم يكشف النقاب عنها.
ولأن «حُسن العهد من الإيمان»، فإن «أصدقاء فيصل» بادروا إلى الإحسان لصديقهم حتى بعد رحيله بالدعاء، ومشروع الصدقة الجارية، وهذا من تمام الإيمان. ويجدر بنا في هذا السياق استذكار مواقف مشجعي الأندية الأخرى، والتي أذكر منها - على سبيل المثال - وقفة مشجعي نادي الهلال مع بعض زملائهم وأصدقائهم عقب رحيلهم «محمد الهلالي، مبارك المعز، منصور العتيبي وعلي العنزي»، رحمهم الله، من خلال مشاريع الصدقة الجارية حيث بناء المساجد، وحفر الآبار وغيرها.
هذه الصورة الزاهية لتلاحم المدرجين، والبادرة الإيجابية من مشجعي الرائد، ومبادرات مشجعي الهلال والأندية الأخرى تستحق أن يسلط الإعلام الضوء عليها للتأكيد على أن مدرج كرة القدم السعودية ما زال بخير، يتنفس حُباً، وينبض وفاءً، وتربط بين مشجعيه روابط المحبة والوفاء التي تتسامى وتتجاوز زارعي الكراهية والمروّجين لها من المتعصبين.
كما أن هذه المواقف الإيجابية هي من أبرز العلامات الفارقة بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الغربية في جانب العلاقات الاجتماعية والصور الإنسانية في ممارسات الجماهير الرياضية، وتعاملها مع بعضها البعض، فهناك تنقطع العلاقات بانقطاع المصلحة والتواصل، بينما هنا تترجم الأخوة الحقّة، والصداقة الوفية حتى بعد الموت بأعمال خيرية أساسها الحب والمبادرة إلى الخير تعزيزًا للتكافل الاجتماعي، وترسيخاً لمبدأ «الأخوة»، و«البنيان المرصوص».
اللهم ارحم من استوفيت أجله وأخذته من بين أهله وأنت وحدك تعلم ألم فقده، اللهم ارحم «فيصل» واغفر له واسكنه الجنة واربط على قلب والديه..
أخيرًا:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم.