د. خيرية السقاف
عند الأزمات يطفو المكنون، وفي الملمات يفعل، تماماً كما في الأفراح، وعند المواجهة..
حين التوثيق ينبعث، وعند الاستشهاد يحضر يكون الشاهد والناطق والرسالة.
فالمكنون الذاتي للإنسان يصبح مكنوناً مكوّناً للذات الكلية حين يعني الوطن، ويخص الجمع، كأن يستشهد الوطن بتراثه، والأسرة فيه بنماذجها، والحي منه برجاله، وكذلك مؤسساته بمنجزاتها..
فمكنون الأوطان الحضاري هو إرث ثقافتها، وتأريخها، وفكرها، وعلمها، وصناعتها، وعمارتها، وفنونها، وهي كل الخلاصات، وكليات النتائج، سواء لأفرادها منفردين بصنعيهم، أو مجتمعين بناة منجزين ومتحدين..!
فكل مكنون يتسع عن دائرة الفرد في عطائه المستقل، حين يصب في الوعاء الأوسع فإنه يشمل الوطن الكلي، وقد يمتد للأمة بشمولها، ليكون إرثاً كبيراً آيلاً للبقاء، للاستشهاد، وللانتصار..
هذا ما نجده اليوم يظهر على السطح ناطقاً جلياً يمثل تاريخ حضارة هذا الوطن من خلال الحركة الثقافية الناهضة في خضم وقائع الأحداث، التي أخرجت مكنون الأفراد،
وحري أن ننتقي منه أنصعه، وأجمله، وأنقاه، وأبقاه،
هذه الحركة أزاحت عن المكنون الكلي ثراءه التأريخي، وأبانت استدامة تراكمات مكنونه الحضاري الشاسع الشاهد، حيث شُغل عنها من شُغل، وتصدى لها من تصدى ممن يحمل على عاتقه أمانة المسؤولية...
والذي لسان فعله يقول: لعلنا أن نحتفي بهذه التظاهرة الثقافية المنعكسة في فكر يدأب على العطاء، والانتقاء من بين مئات الأصوات المتناقضة التي نشهد حضورها في الإعلام بوسائله المختلفة، وفي معارض الكتب، وفي المرئي/ المسموع، وفي المسموع، والمقروء،
كما نجدها في منجز السياحة، وما يقدمه، ويرممه، ويبنيه، ويظهره، يمتد ويتسع، يخص ويعم، وآخر ما قدم هذا المنجز في هيئة السياحة جاء في المعرض الذي افتتحه رائدها سلطان بن سلمان في الصين قبل يومين، والموسوم بمعرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» الذي يضع الخلاصة المعتقة لحقب تاريخ الوطن الذي أُسس على حضارة عريقة، وقام على قواعد متينة، وساهم في نهضة تأريخية تعم الأمة، بتراث حقب، وأزمان بشواهد ملموسة، وآثار تبقى..
إنّ «سلطان بن سلمان» رئيس الهيئة العامة للسياحة، والتراث الوطني مذ كان أول رائد فضاء من هذا الوطن، وإلى أن أخذ بالسياحة في هذه البلاد نحواً من الهمة العليا، والوعي بتراثها الدقيق، وبجهد دؤوب ركز على مواقعها الأثرية، وأعادها للواجهة بثراء مدلولها، وبالتماس الفعلي مع مجسماتها، وتجسيدها في مشاريع المدن التراثية، والأحياء التأريخية، والمواقع ذات الأحداث المهمة في تأريخ الجزيرة من جبل جاء ذكره في الشعر العربي، إلى حيٍّ عُرف بكرم أناسه، ورموزه، إلى بقعة أرض شهدت معركة، أو نهض فيها مسجد، أو التف فيها علماء، أو سمع فيها شاعر، أو حكيم، أو مؤذن..
إلى مد الجسور بين سياحة وترفيه يواكب حضارة العالم الحديث بوسائلها وصناعتها، وأشكالها.
سلطان بن سلمان، مذ بدأ مشوار التوثيق، والنهضة السياحية في الوطن، وتطوير مفهوم التمازج بين القديم والحديث، وإحياء الموروث في مشاريع الهيئة ومنجزاتها، فإنه لم يتوانَ، ولن يتأخر بعد هذا المعرض الذي شارك فيه حضارة الصين، بتوأمتها مع حضارة الوطن، من أن يواصل تنطيق المكنون الجميل في الإرث القديم، وتراثه المستجد، وما سيأتي من مكنون عزائم الحاضرين زمن التحديث، والرؤية الآمِلة من هذه الحقبة..
إنه في هذه المرحلة التي تمر بها أوطان العرب بأزماتها، وبطمس حضاراتها، وبدحر همم أبنائها، كنا بحاجة لأن نوجه الضوء نحواً عميقاً إلى هذا التاريخ العظيم عبر العصور، وبمرآة الحاضر ليكون الشاهد ناطقاً، والرسالة صريحة.
تحية لسلطان بن سلمان، وهو يفعل هذا في منجزات السياحة كلها،
كذلك وهو يتحدث بهذا المعرض في الصين بصوت يصل لكل الاتجاهات، ويخرج مكنون الأصالة لهذه الأرض الطيبة، وتاريخها العريق.
والانتظار للمعارض النظيرة في بقية أرجاء العالم قيد التطلع إن شاء الله.