فضل بن سعد البوعينين
حفزت تحديات الدخل؛ ومتغيرات أسعار النفط الحادة؛ الحكومة على المضي في خططها الإستراتيجية ذات العلاقة بضبط الإنفاق وتحقيق كفاءته، وإجراء إصلاحات مالية واقتصادية منضبطة تسهم في تحقيق الأهداف المستقبلية. نجحت الحكومة في خفض العجز المتوقع في ميزانية العام الحالي من خلال ترشيد الإنفاق ومراجعة جانبيه التشغيلي والرأسمالي. وفي الوقت الذي يكون فيه التعامل مع الإنفاق الرأسمالي أكثر مرونة؛ فإن التعامل مع الالتزامات التشغيلية لا تخلو من المعوقات التي تحد من قدرة الحكومة على التعامل معها. ومع ذلك أعتقد أن مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية تعامل بكفاءة مع بعض النفقات التشغيلية؛ وضبطها؛ ومواءمتها بالأنظمة والقوانين المحددة لها.
برغم أهمية إعادة هيكلة الاقتصاد وتحقيق التوازن المالي؛ إلا أن برامج الإصلاح الاقتصادي لا تخلو في الغالب من الألم؛ والانعكاسات المؤثرة على معيشة المواطنين؛ فهي أشبه بالعملية الجراحية التي ينتج عنها الكثير من الألم الذي لا يلبث أن يزول بعد معالجة الداء.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- أكد في خطابه الذي ألقاه في مجلس الشورى، «أن الدولة سعت إلى التعامل مع المتغيرات التي حدثت بما لا يؤثر على ما تتطلع إلى تحقيقه من أهداف وذلك من خلال اتخاذ إجراءات متنوعة لإعادة هيكلة الاقتصاد»؛ وشدد على أن تلك الإجراءات المتخذة قد يكون «بعضها مؤلماً مرحلياً، إلا أنها تهدف إلى حماية اقتصاد بلادكم من مشاكل أسوأ فيما لو تأخرنا في ذلك».
استشهد الملك سلمان بالظروف الاقتصادية التي مرت على المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية التي اضطرت فيها الدولة لتقليص نفقاتها، غير أنها خرجت منها باقتصاد قوي ونمو متزايد ومستمر.. أحسب أن تقليص النفقات؛ وتحقيق كفاءة الإنفاق من الأدوات المهمة لتحقيق الأهداف المستقبلية؛ والوصول إلى تحقيق التعادل في الموازنة العامة بحلول 2030. لا خلاف على أن الإجراءات المالية الاستباقية المتخذة تشكل خط الدفاع الأول أمام ما قد يحدث من مشكلات مالية واقتصادية في حال استمرار الوضع الراهن دون معالجة؛ خاصة مع بقاء أسعار النفط عند مستوياتها الحالية. فمجمل الدخل يقل بشكل واضح عن النفقات التشغيلية التي تلتزم الحكومة بها؛ عوضاً عن الإنفاق الرأسمالي الذي لا يمكن الإستغناء عنه لتحقيق النمو ودعم الاقتصاد.
يُكشف اليوم عن مضامين موازنة العام 2017؛ وستكون ضمن الخطة الإستراتيجية المحققة لأهداف رؤية المملكة 2030 أي أنها ستراعي تحقيق الكفاءة وترشيد الإنفاق وتعظيم الدخل الحكومي وبما يقود نحو تحقيق التعادل الأمثل خلال الأربع سنوات المقبلة. هي الموازنة الأولى التي تطلق ضمن برنامج التحول الوطني الذي ربما يكون حاضراً ببرامجه المتنوعة الداعمة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية.
قد يشهد إعلان الموازنة بآليتها الجديدة الكثير من الإيضاحات والشفافية المطلقة.. تنشيط حساب وزارة المالية على تويتر يشير إلى تطور لافت في التعامل مع أهمية الحدث؛ إضافة إلى استعدادات وزارة الإعلام الاستثنائية التي ربما أسهمت في نقل الحدث بطريقة احترافية. الشفافية لا تعني نقل الأرقام الصادرة من المالية فحسب بل يفترض أن ترتبط وتجيب على التساؤلات التي تجول في عقول العامة قبل الخاصة؛ وأحسب أن الحكومة باتت أكثر إطلاعا على أهمية هذا الجانب ما جعلها تركز على الجانب الإعلامي؛ وتحفيز الوزراء على الظهور ومناقشة كل ما له علاقة بوازاراتهم بشفافية مطلقة ومن خلال مؤتمر إعلامي موسع.
سمو ولي ولي العهد؛ الأمير محمد بن سلمان؛ عزز مبدأ الشفافية المطلقة مع جميع شرائح المجتمع من خلال لقاءات موسعة كان محورها «الوطن ومستقبل الأجيال».. المتتبع لشبكات التواصل الاجتماعي يجد ارتياحا وتفاؤلا لكل من حضر تلك اللقاءات؛ وأحسب أن مصدرها الشفافية التي أسهمت في تدفق المعلومات النقية من مصادرها فأحدثت الأثر الإيجابي المبني على الإقتناع لا التوجيه. عندما تبنى جسور التواصل وتتدفق المعلومات النقية من مصادرها تزداد الثقة وتتبدل القناعات؛ فضوء الشمس قادر على تبديد الظلام.
إطلاع المجتمع على كل ما له علاقة بمعيشته ومستقبله يسهم في طمأنته؛ ومعرفته بالإجراءات المتخذة ومسبباتها؛ والنتائج المتوقعة.. تسهم الشفافية في إيقاف الحملات الموجهة ضد المملكة؛ وهي حملات تدار من الخارج وتستهدف الداخل بوسائل استخباراتية محترفة.. وعندما تأتي الشفافية من الرجل الثالث في القيادة والمسؤول الأول عن الهيكلة الاقتصادية ورؤية المملكة 2030 تصبح أكثر تأثيراً وإشباعاً.. انفتاح الأمير محمد ورفعه سقف الشفافية وإلغاؤه الخطوط الحمراء بعفوية وأريحية مطلقة تعكس الثقة بمخزونه المعرفي وإلمامه الشمولي القادر على مواجهة الأسئلة المختلفة بإجابات دقيقة.
احتاج الوطن قبل المواطنين لشفافية الأمير محمد بن سلمان؛ وأحسب أنها المحفز الأول للشفافية الحكومية؛ خاصة ما تعلق منها بالشأن المالي الذي كان جزءً من (أسرار الدولة) إلى عهد قريب. شفافية الأمير ستخلق لا محالة شفافية موازية للوزير والحكومة بشكل عام؛ وهذا ما يعزز من الثقة والرؤية التفاؤلية بمستقبل جميل -بإذن الله-.