د.علي القرني
من الواضح أنّ عهد ترامب لن يكون كسابقه من الرئاسات الأمريكية، فقد اختط لنفسه مساراً مختلفاً فيما يتعلق بعلاقته مع العدو الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وهي مدة طويلة استطاعت الولايات المتحدة أن تسخِّر كل طاقاتها لمقاومة المد السوفيتي (حتى عام 1990م) ثم المد الروسي منذ ذلك التاريخ لليوم. وقد زرعت العسكرية الأمريكية عقيدة لها، أنّ الاتحاد السوفيتي سابقاً وجمهورية روسيا الاتحادية حالياً هي العدو الأول ليس فقط للولايات المتحدة الأمريكية بل للغرب عموماً.
ونعلم من أحداث التاريخ أنً الولايات المتحدة ومعها الغرب عاشت حرباً باردة لحوالي نصف قرن من الزمن، جنّدت فيها الماكنة الإعلامية الغربية طاقتها وجهودها في تفكيك النموذج السوفيتي، من خلال تركيز على مفاصل الضعف في الهيكل الإداري والسياسي السوفيتي، والضغط على كافة مؤسساته، مع تغذية المواطن السوفيتي بأساليب الحياة الغربية الترفيهية والتي زرعت في ذهنية المواطن هناك خيالات العيش المثالية لها. وكان لا بد من وجود مرحلة انتقالية، وهي عهد الرئيس السوفيتي (آخر رئيس سوفيتي في الحقبة السوفيتية) وهو الرئيس ميخائيل جورباتشوف، الذي أنهى العهد الشيوعي السوفيتي، وتفككت معه الجمهوريات السوفيتية إلى جمهوريات إسلامية مستقلة، وجمهوريات أخرى، ثم ورثت روسيا الكتلة الأكبر من ميراث الاتحاد السوفيتي في نظام اقتصادي وسياسي مختلف عما كان في السبعة العقود التي حكمت فيها الشيوعية هناك.
واليوم، مع وجود رئيس جديد كدونالد ترامب، وهو الذي لا ينظر إلى روسيا من نافذة العقيدة الأمريكية، بل إنه يتجاوز هذه العقدية إلى علاقات ود واحترام وتقدير واعجاب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الذي كما تشير الأحداث إلى علاقة تجارية مشبوهة للرئيس المنتخب ترامب مع بوتن أو مؤسسات اقتصادية كبيرة في روسيا، كما أشارت أحداث في الحملة الانتخابية إلى علاقة مدير حملته الانتخابية بحكومة أوكرانيا في صفقات سياسية إعلامية مشبوهة.
والسؤال الكبير، هو ماذا ستعمل روسيا مع الولايات المتحدة، في ظل طموحات كبيرة لرئيسها بوتن في أن يستعيد مركز القوة في العالم على الصعيد السياسي، ومواجهة المد الغربي الذي يحيط به من كل مكان..؟ وسيساعده في هكذا طموح علاقته الجديدة مع الرئيس القادم ترامب، الذي أرسل إشارات جديدة للكرملين أنه سيكون صديقها القادم في البيت الأبيض.. هل يستغل بوتن بمكره ودهائه هذه العلاقة ليبدأ مرحلة جديدة مع الغرب تبدأ بالولايات المتحدة وتتجه لأوربا ثم العالم في صناعة روسيا الأقوى، وروسيا جديدة، وروسيا المهيمنة على الحدث العالمي؟ وهل يستطيع بوتن أن يستغل ضعف ترامب وعدم خبرته السياسية في شئون العالم في أن يصنع من ترامب دمية تلبي احتياجات روسيا وتدعم مواقفها الدولية؟ وهل يستطيع بوتن أن يفكك العقيدة الأمريكية، ويصنع منها حملاً وديعاً أمام المصالح الإستراتيجية الروسية في العالم؟
السنوات الأربع القادمة كفيلة بتحديد مسارات جديدة في السياسة الدولية في مختلف شئون العالم، بما فيها شئون منطقة الشرق الأوسط، وكما يتضح أنّ روسيا ستكون هي سيدة الموقف الدولي في العالم، وسترضخ الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب إلى المطالب والاحتياجات الروسية في المنطقة وفي بعض مناطق العالم. وبات من الواضح أنّ بوتن سيكون هو سيد البيت الأبيض الحقيقي، وسيملي أجندته السياسية على صديقه المقرب دونالد ترامب..!!