عماد المديفر
اجتمع شذاذ الآفاق من كل حدب وصوب، متآمرين على الشعب العربي السوري الأبي الصامد طيلة السنوات الست السابقة.. ميليشيات طائفية إرهابية همجية حاقدة على كل ما هو عربي وسني، مسلم ومسيحي.. حثالة قادمة من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان ولبنان والقوقاز.. شعارها طغيانٌ مجرمٌ لا إنساني بغيض: «الأسد أو نحرق البلد»..
ورغم قيامهم بعمليات الإرهاب والقتل والتشريد والتهجير الممنهج وسعيهم للتغيير الديموغرافي وحرقهم فعلياً للبلد؛ إلا أن الإنسان العربي الضاربة جذوره في أعماق هذا البلد.. الإنسان العربي السوري الذي عَمّر هذا البلد عبر التاريخ؛ بقي صامداً صابراً، ومن تم تشريده منهم مدنياً مسالماً هارباً بأهله وولده.. يتأهب اليوم للعودة محملاً بالثارات وما تركته الجراح العميقة من غصة، إذ لم يعد لديه ما يخسره. بل الفوز كل الفوز في عودة الوطن وتحريره وإعماره من جديد.
التورط الروسي في هذه «المحرقة» ضد سوريا العربية أرضاً وشعباً.. كبير ومباشر.. وقدمها تزل فيها وتغوص تدريجياً أكثر فأكثر، وكأنها لم تستفد من تجربة أفغانستان.. ولم تتعلم من حرب الفيتنام التي استمرت عشرين سنة، ثم انتهت بقهر الغزاة والمرتزقة.. وانتصار الشعب.
وتماماً كما كانت كيفية خطوات التورط الأمريكي في حرب فيتنام.. بدأ التورط الروسي في الحرب ضد الشعب العربي السوري عبر إرسال المستشارين العسكريين.. لكن دون فائدة على الأرض تذكر.. فتبعه ببعض القوات المحدودة على الأرض.. فالمشاركة الفعلية عبر الغارات الجوية، فتوسيع وإنشاء قواعد عسكرية جديدة والمزيد من القوات على الأرض.. والمشاركة البحرية مع استمرار زخم العمليات القتالية الجوية.. تشابه حد التطابق في خطوات تورط أميركا بفيتنام.. حتى أضحت اليوم الميليشيات الإرهابية التابعة لإيران ولمرتزقة الطاغية ومجرم الحرب بشار الأسد لا تستطيع أن تتقدم دون غطاء جوي ناري كثيف يحرق الأخضر واليابس ويدمر الحجر والبشر من قبل الطائرات الحربية الروسية.
اليوم تزيد حصيلة التضحيات عن الستمائة ألف شهيد.. ومثلهم من الجرحى.. واثني عشر مليون لاجئ سوري.. ولا يزال الشعب العربي السوري يضرب أروع الأمثلة في الدفاع عن دينه ووطنه وأهله.. وواهم من يعتقد أن الشعب العربي السوري بعد كل هذه التضحيات والجراحات والثارات.. سيخنع ويستكين للعملاء والمجرمين من القَتَلة والخونة والإرهابيين، أو سيضع يده بيد من تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري.
اليوم تم تدمير ثاني أكبر المدن السورية، وعاصمتها الاقتصادية، «حلب»، بالكامل.. دمرتها الطائرات الروسية، وبراميل المجرم بشار الأسد المتفجرة التي تُرمى من طائراته الحربية المتهالكة، وقيام الميليشيات الإرهابية الطائفية بعمليات الحرق على الأرض.. حتى أصبحت حلباً أثراً وحطاماً وقاعاً صفصفاً.. وتم تهجير أهلها بالكامل، ودخلتها ميليشيات الإرهاب بقيادة المجرم الإيراني «قاسم سليماني» المدرج هو وفيلقه الإرهابي المسمى زوراً بـ»فيلق القدس» ومرجعيته «الحرس الثوري»؛ المدرجون جميعاً على قائمة الإرهاب.. تم دخولهم هذه المدينة العربية التاريخية غزاة محتلين بغطاء ناري روسي.. لذا فمن غير المستغرب ما رأيناه من قتل وتشريد وتحريق ودمار ترتكبه هذه الميليشيات الإرهابية المتعددة الجنسيات (باكستانيون وأفغان وعراقيون وقوقاز وإيرانيون ولبنانيون) في حق الحضارة السورية والتاريخ العربي والإسلامي والعالمي.. وفي حق الإنسان العربي السوري.. طالما أن هناك من يساندهم.
لا شك بأن انسحاب قوات الشعب العربي السوري وجيشه الحر من حلب أمرٌ متوقع، تماماً كما كان انسحابها من عدة مدن وقرى من قبل في حمص وريفها وحماة وريفها وبعض مناطق ريف دمشق كالزبداني وغيرها.. فهو انسحاب طبيعي تكتيكي إنساني لإنقاذ أهاليهم وأطفالهم ونسائهم الذين ثاروا أساساً وحملوا السلاح لأجل الدفاع عنهم.. أما اليوم.. فلم يعد لدى الشعب السوري ما يخسره أكثر مما خسره.. وأضحت الكثير من المدن مهدمة وأراض محروقة ومحتلة من الميليشيات والمرتزقة والإرهابيين الأجانب، وخالية من الأهالي، فستتخذ الحرب أبعاداً أخرى، وتكتيكات جديدة.. فما قبل حلب، ليس كما بعدها.. إذ كل المؤشرات على الأرض تدل بأنه سيتم استخدام ذات التكتيكات الفيتنامية من خلال استدراج هذه الميليشيات الإرهابية إلى مزيد من التقدم، ومن ثم تحويطها وقطع الطرق الخلفية عنها فالانقضاض عليها من جميع الجهات. إنها حرب استنزاف لا نهاية لها إلا بانتصار الشعب وأهل البلد.. لا بشار ولا ميليشياته المجرمة التي حرقت البلد.
بعد أشهر قليلة تكمل حرب الشعب العربي السوري ضد الغزاة والخونة والإرهابيين عامها السابع، وهو لا يزال يضرب أروع أمثلة العزة والصمود والتضحية والكرامة.. وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ الإباء والشرف.. فإن كان الشعب الفيتنامي أمضى عشرين عاماً ليطرد المحتل من أرضه ووطنه، ولينال حريته وكرامته، ونهض وانتفض مرة أخرى وانتصر حتى بعد أن تم ضربه بالقنابل النووية.. فإن الشعب العربي السوري صاحب العقيدة العظيمة.. والغاية السامية النبيلة لا يقارن بالشعب الفيتنامي على عظمة ما قدمه الفيتناميون من إخلاص وتضحيات لوطنهم وقضيتهم.. فالشعب العربي السوري اليوم شعاره إحدى الحسنيين.. إما النصر أو الشهادة. لكن ما يجب أن لا نغفله؛ أن الشعب الفيتنامي في حربه ضد الغزاة والخونة، كان يقاتل تحت قيادة موحدة.. وراية موحدة.. فإن أراد السوريون حقاً تحرير بلادهم، فعليهم أن يتوحدوا تحت راية واحدة وقيادة واحدة ويتعاملوا مع أهل الشقاق والفرقة بكل حزم.
إلى اللقاء،،،