ياسر صالح البهيجان
الثقافة الإسلاميّة المعاصرة واجهت عددًا من المصطلحات الحديثة الملتبسة والتي أنتجتها حالة التحضّر الإنساني، ووقفت إزاءها موقفًا متوجسًا انطلاقًا من مفاهيم إشكاليّة يحيل فيها المصطلح المستجد إلى مرجعيّة تاريخيّة دينيّة تمثل محظورًا شرعيًا يرفضه النصّ المقدّس.
ومن أبرز المفاهيم الإشكاليّة هو مصطلح «الإبداع» الذي عادة ما يستحضر مفهوم البدعة وموقف الشريعة الإسلاميّة منها، إذ لم يفرّق الخطاب الديني المعاصر في مجمله بين الابتداع بوصفه حالة حضاريّة ومحركا رئيسا لديناميكيّة التقدم البشري وبين الابتداع في العبادات الشرعيّة المنافي للنصوص الشرعيّة.
اللبس المفاهيمي أنتج خطابًا معاديًا للفن أيًا كان نوعه؛ لأن الفنون بطبيعتها إبداعيّة وخروج عن النمط السائد وتجاوز لإمكانات الطبيعة، وهي في نظر الدارسين إكمال لما عجزت الطبيعة عن إكماله، ومن هذا المنظور سادت ثقافة تحريم الرسم والتصوير وما أفرزته ثقافة الصورة ابتداءً بالتلفاز والراديو وليس انتهاءً بشبكات التواصل الاجتماعي، وحتى الإبداع الرياضي إذ لم يعد تحريم مشاهدة مباريات كرة القدم ذات الطابع الإبداعي أمرًا مستنكرًا، وألّف في تحريمها عدد ليس بالقليل من الدارسين الشرعيين كتبًا ترزح بها المكتبات العامة والإلكترونية.
والموقف المتوجّس من الإبداع والخلط فيما بينه وبين الابتداع الديني مثّل حجر عثرة أسهمت بقوّة في تأخر المجتمعات الإسلاميّة في مجال الابتكار، وانعكست كذلك في ضعف تفاعل المجتمع مع أي منجز إبداعي سواءً أكان تكنولوجيًا أو منجزًا سرديًا يظهر على هيئة رواية أو قصيدة شعريّة، ولا يزال كثير ممن ينتسبون إلى المؤسسات الدينيّة يرفضون قراءة الروايات بوصفها حافلة بالأكاذيب والسرد المتخيّل، ما يكشف عن إشكاليّة في آليّة فهمهم لمقتضيات الإنجازات الإبداعيّة.
استمرار المؤسسات الدينيّة في تفسير الإبداع البعيد عن الأحكام الشرعيّة تفسيرًا إقصائيًا أوجد ردّة فعل معاكسة لدى شريحة الشباب، وأنتج ذلك المناخ ما يسمى بمرحلة ما بعد الصحوة، وباتت الأجيال الجديدة تزدري نمطيّة الخطابات الدينيّة الرافضة لإفرازات العصر الحديث، وتحديدًا العصر التكنولوجي المتسارع والمتغيّر والذي يتطلب بدوره خطابًا دينيًا أكثر ديناميكيّة وقدرة على احتواء المستجدات وبعيدًا عن أساليب الترغيب والترهيب التقليديّة والمستهلكة.
الشرعيّون الجدد يقع على عاتقهم تحديات كبرى وأسئلة لا تكف عن الانفتاح، ولم تعد إجابات معلميهم التقليديين كفيلة برأب الصدع الآخذ بالاتساع عامًا بعد آخر، ما يفرض عليهم ضرورة التجديد في مقارباتهم الشرعيّة للمفاهيم المستحدثة، والمساهمة في بناء مجتمع يحفل بالإبداع ويحتفي به عبر خطاب حيويّ ينبذ المفاهيم الإقصائية الكلاسيكيّة، ويقترب أكثر من روح العصر التكنولوجي، وينسجم مع تطلّعات الجيل الناشئ المنفتح على الثقافات الأخرى، والمنغمس في ثقافة الشاشة وما أنتجته من أجهزة لوحيّة ومحمولة وبرمجيّات ذكيّة ومتطوّرة والتي لا يمكن النظر إليها والتعاطي معها وفق رؤية الكتاتيب القديمة وسرجها المعلّقة.