غسان محمد علوان
انقضى الدور الأول من دوري جميل السعودي للمحترفين بتصدر الهلال والاتحاد بـ32 نقطة. ورجعنا مرة أخرى لدوامة من هو المتصدر مكررين نفس جدل ولغط الموسم الماضي، فالهلال متقدِّم على الاتحاد بفارق الأهداف، والاتحاد يملك أفضلية (المواجهة المباشرة) حين تغلب على الهلال بثنائية دون رد. هذا اللغط المستمر ناتج عن تعمّد لجنة المسابقات ترك الموضوع عائماً، بوضع مواد مطاطية تناسب الجميع من مبدأ (لا يزعل أحد). رغم أن حلّه سهل جداً بمجرد تفصيل المادة في نقطتين: (تحديد المراكز خلال مجريات البطولة) و(تحديد المراكز بعد انتهاء مباريات البطولة). عموماً، يظل التصدر خلال الدوري وقبل انقضاء جولاته مجرد وضع مؤقت لا يسمن ولا يغني من جوع إن أنهى ذلك المتصدر البطولة وهو في مركز مغاير. تماماً مثل لقب (بطل الشتاء) الذي لا يعدو كونه لقباً معنوياً، ولكن يخشى معه عقلاء الوسط الرياضي أن يتحول بعد عقدٍ أو عقدين من الزمن إلى بطولة رسمية، يطالب بها جيل جديد يستشهد بقصاصات الصحف ومخضرمي الوسط الرياضي في ذاك الزمن، كما حدث قبل فترة قصيرة من مطالبات بتوثيق دوريات المناطق وبطولات ودية ووهمية. لذلك وجب التنبيه.
تعادل الهلال مع النصر في ختام الدور الأول، في لقاء لا تمثّل نتيجته واقع مجرياته. فالهلال أضاع فوزاً ثميناً كان في متناول اليد، وتفنن لاعبوه وعلى رأسهم سالم الدوسري بإضاعة أهداف محققة كانت كفيلة بمحافظة الهلال على صدارته دون شراكة مع الاتحاد. المؤكّد أن دياز قد خدع بتشكيلة وطريقة النصر في هذا اللقاء، وهو الذي بنى تصوره عن الفريق النصراوي بناءً على مبارياته السابقة، ونزعته الهجومية أو المتوازنة هجوماً ودفاعاً. ولكنه تفاجأ بتكتل نصراوي دفاعي، بخط دفاعي ثابت ويتقدمهم ثلاثة محاور دفاعيين. فظل طوال دقائق اللقاء متخوفاً من زيادة أدواته الهجومية، خوفاً من عودة النصر لطريقته المعتادة، وتأكد ذلك في تغييراته المتأخرة جداً والتي عملت فارقاً واضحاً في شكل الفريق هجومياً ولكن رعونة البعض أمام المرمى وضيق الوقت لم يسعفاه بتحقيق انتصار كان فريقه الأجدر به دون جدال. كل ذلك كان من الممكن تلافيه لو وجد في الدكة خبير بالدوري السعودي ومواجهات الهلال بالنصر والتي ظلت لسنين طوال تُلعب بهذا الشكل خصوصاً من الجانب النصراوي، وتحفظه الدائم أمام الهلال.
وفي المقابل، لعب الاتحاد مواجهته الأخيرة أمام متذيل الترتيب (نادي الفتح) بتوتر ملحوظ، وشحن نفسي سلبي، أنتج لنا لقاءً خارجاً عن كل أعراف وأدبيات الرياضة. ورغم الأخطاء التي حصلت من التحكيم والتي كان أبرزها احتساب الهدفين الأولين لكلا الفريقين من تسلّلين، والتغاضي عن الخشونة والانبراشات الاتحادية خصوصاً من أحمد عسيري الذي كان من المفترض أن يطرد من الشوط الأول لتعمّده الخشونة، وصولاً لإضافة سبع دقائق غير مبررة تم تسجيل هدف الفوز في الدقيقة السادسة منها. إلا أن كل ذلك لم يعجب لاعبي الاتحاد وجماهيره وإعلامه. فالجماهير واصلت خروجها المتكرر عن النص، بقذف كل ما وصلت أيديهم إليه. فوجدنا صوراً مخجلة لمدرب نادي الفتح فتحي الجبال وهو يحاول تفادي المقذوفات القادمة من كل حدبٍ وصوب، ورأينا أحد منظمي اللقاء ورأسه يقطر دماً بعد إصابته، ثم رأينا التهجم الواضح والصريح على مراقبي المباراة، وذهاب العكايشي لحكم المباراة للاحتفال بالهدف في وجهه وكأنه خصمٌ لناديه. ولكن لأن الأجواء العامة الآن تتطلب الوقوف مع الاتحاد في مشوار منافسته للهلال، تحول الشغب إلى ردة فعل طبيعية، والخروج عن النص منطقياً بدوافع الميول لا غير. ولتأكيد هذا الدعم ومسايرة للأجواء العامة، لن نجد أي استنكار من بقية الأندية المنافسة (باستثناء الهلال) لكل ما حصل، رغم أن مصلحتهم تقليل الفارق بينهم وبين الاتحاد إذا ما رغبوا في المنافسة على اللقب. ولكن العودة لمقالي في الأسبوع الماضي بعنوان (بلوفوبيا)، سيسهل على الجميع فهم الوضع بشكل أوضح.
عموماً، سيظل هذا الدوري مشتعلاً حد الجنون. وسنرى في قادم الجولات حالات تشنجاً وخروجاً عن النص، طالما أن التنافس ما زال قائماً، والكل يصب الزيت على النار بشكل لا مسؤول، وبطريقة تجعلنا جميعاً نخجل من الوضع الرياضي لدينا.
خاتمة..
ومن يتهيّب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
(أبو القاسم الشابي)