إبراهيم عبدالله العمار
حصل شيء غريب عام 1963م في جزيرة باربادوس: وُلِد توأم، الفتاتان جيون وجينفر. ليس هذا غريباً في حد ذاته، لكن الغريب ما حصل منذ ذاك إلى الآن: الصمت.
والداهما انتقلا إلى ويلز في المملكة المتحدة بعد ولادة الفتاتين، ولاحظ الأبوان شيئاً: الفتاتان متعلقتان ببعضهما تماماً. بعد بضع سنين بدأتا تذهبان للمدرسة، ولأنهما الوحيدتان السوداوان في مدرسة، بل دولة كلها تقريباً من البيض فقد تعرضتا لحجمٍ عظيم من التنمّر والسخرية، حتى إن إدارة المدرسة سمحت لهما بالخروج كل يوم باكراً لتجنُّب الاضطهاد، والذي أثر كثيراً على نفسيتهما. منذ صغرهما كانتا تتكلمان بين بعضهما بطريقة خاصة صعبة الفهم، وزادت اللغة صعوبة على فهم الناس في تلك الفترة العسيرة حتى صار لا يفهمها غيرهما. كانت الفتاتان لا تتكلمان مع أحد إلا أختهما الصغيرة، وغير اللغة الخاصة فإن كل تصرفاتهما متطابقتان، واحدة تفعل شيئاً فتفعله الثانية. حاول طبيب نفسي أن يحل المشكلة، مشكلة شدة ارتباط الاثنتين ببعضهما ورفضهما الكلام مع الناس، لكن لم يفلح.
انظر الآن لما سيحدث: أخرجهما أبوهما من المدرسة إلى مدرسة داخلية، حيث فصلوا بينهما، كل واحدة في صف. ماذا تتوقّع أن يحصل؟ تجمدتا!
كل واحدة صارت مثل الصنم، لا تتحرك، لا تتكلم، لا تفعل ولا تقول أي شيء، كأن المخ تعطّل. لم تفلح أي محاولة لإخراجهما من هذه الحالة، ولم ترجع الحياة من جديد إلا لما جمعوا بينهما من جديد.
قضت جيون وجينفر وقتهما في البيت في عمل مسرحيات بالدمى في غرفتهما، ثم بدأتا الكتابة، حتى كتبت كل واحدة عدة روايات، ويلفت الانتباه أن تلك الروايات كانت ذات شخصيات وأحداث غريبة وإجرامية.
لما كبرتا قليلاً بدأت مشاكلهما مع القانون، فارتكبتا عدة جرائم منها إحراق الممتلكات، وبدلاً من السجن وبسبب حالتهما الغريبة وضعتهما السلطات في مستشفى نفسي ذي حراسة عالية، حيث مكثتا 14 سنة، وبسبب الأدوية النفسية صار صعباً عليهما التركيز، فخفف المستشفى الجرعة لكي تعود لهما القدرة أن يكملا كتابة الذكريات بدءاً من عام 1980م، ونشرت صحافية قصة في الجريدة عنهما.
حسب كلام الصحافية فإن الفتاتين بينهما اتفاق: إذا توفيت إحداهما فإن الأخرى تقدر أن تبدأ الكلام مع الناس والانفتاح على المجتمع. أثناء حبسهما في المستشفى، وصلتا إلى قناعة: يجب أن تموت إحداهما. بعد الكثير من النقاش بين الاثنتين، وافقت جينفر أن تضحي بنفسها. في مارس 1993م نقلتهما السلطات من ذلك المستشفى إلى آخر أقل حراسة وأيسر شأناً، ولما استلمهما الطاقم لاحظوا أن جينفر غائبة عن الوعي. حاولوا إيقاظها وإنعاشها بلا جدوى. نقلوها للمستشفى والذي وجد أنها توفيت. يبدو أنها تناولت سماً، أليس كذلك؟ لا، فحصوا جثتها ولم يجدوا أي أثر لسم أو مادة مشبوهة. فقط القلب الملتهب فجأة الذي قتلها.
زارت تلك الصحافية الأخت جيون، ولاحظت أنها في مزاج غريب. حسب الاتفاق بين الأختين فإنها الآن تستطيع أن تكلم الناس. ما أول شيء قالته جيون للصحافية وللعالم كله؟ العبارات التالية: «صرت حرة الآن، وأخيراً ضحت جينفر بنفسها لي».
لا تزال تعيش جيون الآن في ويلز، ولا تحتاج للعلاج النفسي، وصار لها حياتها الخاصة، ووضعت الماضي خلفها، لكن ما زال بالنسبة لنا ماضياً عجيباً ولغزاً مدهشاً، وإلى الآن لا يعرف أحد سر هذه القصة الغامضة.. قصة التوأم الصامت.