ناصر الصِرامي
اليوم أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك وسائط الإعلام الجديد بالنسبة لنا جغرافيا على أقل تقدير، سبب جميل لفضح بعض عقليات الخرافة وبائعي الوهم، فالكثير من الأفكار البالية تحترق تحت «نور» التقنية ويتم رصدها ونقدها وفضحها وتجريدها جماعيا، من الطالب والأستاذ والدكتور والمطلع، وأقصد منها تحديدا هنا بعض فتاوى الغرائب وآراء الجهل، والتى تتدثر بعباءة التدين شكليا.. وتقدم باسمنا جميعا، نماذج عدة تتدنى في مستوى تصورها عن إعادة التذكير بها هنا.
أصبحت المواجهة مكشوفة في هذا الفضاء الافتراضي الواقعي بين العقل والجهل، بين الخرافة والحقيقة، بين أصحاب الغرائب والعجائب ومخترعي قصص التخويف والتجديف الكاذبة من باب الوعظ والنصح والإرشاد مهما قدمت مغلفة بالعاطفة الدينية شكليا قبل المضمون.
سخرت لنا التقنيات هذا التعبير الحر والمواجهة والمكاشفة بين النور والظلام، بين الوعي واللاوعي... صحيح أن المكاشفة والمواجهة مستمرة، لكنها تتجه اليوم إلى المباشرة والوضوح بعد أن أخرجت لنا التقنية بشبكاتها المباركة خطاب الجهل من كهوفه ووضعته تحت شمس المعرفة والنقد الحارق!
هذه النعمة التنويرية يدركها جيداً كل مهتم وناشط ومتفاعل عبر المساحات الالكترونية الحرة، ولم يحجب هذه الحقيقة دعاة الشهرة ممن يتلبسون ثياب الوعظ، ومن تسابقوا لشراء المتابعين لإثبات زيف تأثيرهم، لكن هذا الزيف ارتد عليهم الآن، أصبحت السخرية والكوميديا السوداء تضرب حصونهم المقدسة كما يعتقدون ويبيعون الوهن والوهم.
من بدايات الإنترنت المتواضعة ومنصاتها التفاعلية الأولى- المنتديات. تلك المواقع الحوارية، والتي استغلت من البعض لترويج خطابهم المتطرف والرجعي في حينه، إلا أن تلك البدايات كانت أول الضربات المرتدة ضد حصون الجهل، وأول الصدمات الجماعية التى يواجهها الأتباع والقطيع للعبور نحو «صحوة» فعلية.
اليوم تتكرر الحكاية بصورة أكثر وأكبر تأثير، وسيل متواصل من الصدمات الوعي، وكشف العورات الفكرية، مع وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة الأفق والإمكانيات، والتي تتكاثر وتتنافس بسرعة فائقة وبمشهد مذهل، وتواصل ضرب المتبقي من قلاع الجهل ورموزه.
التطبيقات وشبكات التواصل تمضي بتسارع مذهل ولا أحد يستطيع حجبها أو منعها أو حتى تهذيبها.. ستبقى انعكاسا للواقع بأفراحه وأحزانه، بجهله وظلاميته، بمعرفته ونوره ووعيه.. وستبقى المنافسة حية وفاعلة بين اللاوعي ومن يمثلونه، والوعي وأصحابه.. مواجهة جماعية تُمارس كل أساليب السخرية والاستنكار!
لنتذكر دائما أن كل ما تفعله هذه البرمجيات والتطبيقات والمناصات أنها تنقل ما تحت الطاولة إلى فوقها، وما قد يكون في غرف مظلمة أو جماعات مغلقة للعلن، إنها باستمرار أشبه بمرآة مكبرة وهائلة تعكس كل ما تحت السطح.. بما فيها بالطبع تلك الأشياء التي لا نرغب في سماعها، أو التصديق بوجودها على المستوى الاجتماعي -مثلا-، أو تلك الأشياء التي قد تخدش تلك الصورة الفاضلة المزيفة التي نتصورها. لنشكر حياديتها التي تمنحنا فرص مهمة لمعرفة الكثير.. بما في ذلك ما لا نتوقع وجوده، أو نخجل من ظهوره إلى العالم باسمنا- للأسف!
إلى اللقاء.